أَرَهْطَ ابْنِ أَكَّالٍ أَجِيبُوا دُعَاءَهُ ... تَعَاقَدْتُمْ لَا تُسْلِمُوا السَّيِّدَ الْكَهْلَا
فَإِنَّ بَنِي عَمْرٍو لِئَامٌ أَذِلَّةٌ ... لَئِنْ لَمْ يَفُكُّوا عَنْ أَسِيرِهِمُ الْكَبْلَا
فَمَشَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَلَبُوا مِنْهُ عَمْرَو بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، فَفَادَوْا بِهِ سَعْدًا.
«وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ زَوْجُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ رِجَالِ مَكَّةَ مَالًا وَأَمَانَةً وَتِجَارَةً، وَكَانَتْ أُمُّهُ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ زَوْجَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ زَيْنَبَ، فَفَعَلَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، فَلَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ آمَنَتْ بِهِ زَيْنَبُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَغْلُوبًا بِمَكَّةَ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُرَيْشٌ إِلَى بَدْرٍ خَرَجَ مَعَهُمْ فَأُسِرَ، فَلَمَّا بَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ زَوْجِهَا بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا مَعَهَا، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا، فَافْعَلُوا. فَأَطْلَقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَرَدُّوا الْقِلَادَةَ» .
وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَسَارَ إِلَى مَكَّةَ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ؛ لِيَصْحَبَا زَيْنَبَ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ أَمَرَهَا بِاللَّحَاقِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَجَهَّزَتْ سِرًّا، وَأَرْكَبَهَا كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ - أَخُو أَبِي الْعَاصِ - بَعِيرًا، وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَخَرَجَ بِهَا نَهَارًا. فَسَمِعَتْ بِهَا قُرَيْشٌ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا فَلَحِقُوهَا بِذِي طَوًى، وَكَانَتْ حَامِلًا فَطَرَحَتْ حَمْلَهَا لَمَّا رَجَعَتْ لِخَوْفِهَا، وَنَثَرَ كِنَانَةُ أَسْهُمَهُ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَدْنُو مِنِّي أَحَدٌ إِلَّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا! فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَقَالَ: خَرَجْتَ بِهَا عَلَانِيَةً، فَيَظُنُّ النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ ذُلٍّ وَضَعْفٍ مِنَّا، وَلَعَمْرِي مَا لَنَا فِي حَبْسِهَا حَاجَةٌ، فَارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ لِيَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّا رَدَدْنَاهَا. ثُمَّ أَخْرِجْهَا لَيْلًا وَسَلِّمْهَا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ، فَقَدِمَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَامَتْ عِنْدَهُ.
«فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ بِأَمْوَالِهِ وَأَمْوَالِ رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا عَادَ لَقِيَتْهُ سَرِيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذُوا مَا مَعَهُ وَهَرَبَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ، فَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الصَّلَاةِ،