النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: دَعْنِي أَنْزِعُ ثَنِيَّتَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَا يَقُومُ عَلَيْكَ خَطِيبًا أَبَدًا، وَكَانَ سُهَيْلٌ أَعْلَمَ الشَّفَةِ السُّفْلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ يَا عُمَرُ؛ فَسَيَقُومُ مَقَامًا تَحْمَدُهُ عَلَيْهِ، فَكَانَ مَقَامُهُ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - وَسَنَذْكُرُهُ عِنْدَ خَبَرِ الرِّدَّةِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ -.

وَلَمَّا قَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ كَمَا تَفْعَلُ النِّسَاءُ، أَلَا مُتُّمْ كِرَامًا! فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهَا فَقَالَ لَهَا: «يَا سَوْدَةُ، أَعَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ تُحَرِّضِينَ! فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُهُ أَنْ قُلْتُ مَا قُلْتُ» .

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوْصُوا بِالْأَسْرَى خَيْرًا» . وَكَانَ أَحَدُهُمْ يُؤْثِرُ أَسِيرَهُ بِطَعَامِهِ.

فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ بِمُصَابِ قُرَيْشٍ الْحَيْسَمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأَبُو الْحَكَمِ وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ - وَعَدَّدَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ - فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: وَاللَّهِ إِنْ يَعْقِلْ فَاسْأَلُوهُ عَنِّي. فَقَالُوا: مَا فَعَلَ صَفْوَانُ؟ قَالَ: هُوَ ذَاكَ جَالِسٌ فِي الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا.

وَمَاتَ أَبُو لَهَبٍ بِمَكَّةَ بَعْدَ وُصُولِ خَبَرِ مَقْتَلِ قُرَيْشٍ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ، وَنَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ، ثُمَّ قَالُوا: لَا تَفْعَلُوا فَيَشْمَتَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ، وَلَا تَبْعَثُوا فِي فِدَاءِ أَسْرَاكُمْ، لَا يَشْتَطُّ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ. وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ: زَمْعَةُ، وَعَقِيلٌ، وَالْحَارِثُ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعَ نَائِحَةً، فَقَالَ لِغُلَامِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: انْظُرْ هَلْ أُحِلَّ الْبُكَاءُ لَعَلِّي أَبْكِي عَلَى زَمْعَةَ، فَإِنَّ جَوْفِي قَدِ احْتَرَقَ. فَرَجَعَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى بَعِيرٍ لَهَا أَضَلَّتْهُ، فَقَالَ:

أَتَبْكِي أَنْ يَضِلَّ لَهَا بَعِيرٌ ... وَيَمْنَعَهَا مِنَ النَّوْمِ السُّهُودُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015