ذِكْرُ مُلْكِ خُوَارَزْم شَاهْ عَلَاءِ الدِّينِ كَرْمَانَ وَمَكْرَانَ وَالسِّنْدَ
هَذِهِ الْحَادِثَةُ لَا أَعْلَمُ الْحَقِيقَةَ أَيَّ سَنَةٍ كَانَتْ، إِنَّمَا هِيَ إِمَّا هَذِهِ السَّنَةَ، أَوْ قَبْلَهَا بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهَا بِقَلِيلٍ، لِأَنَّ الَّذِي أَخْبَرَ بِهَا كَانَ مِنْ أَجْنَادِ الْمَوْصِلِ، وَسَافَرَ إِلَى تِلْكَ الْبِلَادِ وَأَقَامَ بِهَا عِدَّةَ سِنِينَ، وَسَارَ مَعَ الْأَمِيرِ أَبِي بَكْرٍ، الَّذِي فَتَحَ كَرْمَانَ، ثُمَّ عَادَ فَأَخْبَرَنِي بِهَا عَلَى شَكٍّ مِنْ وَقْتِهَا، وَقَدْ حَضَرَهَا فَقَالَ: خُوَارَزْم شَاهْ مُحَمَّدُ بْنُ تُكَشَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ أُمَرَاءِ أَبِيهِ أَمِيرٌ اسْمُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَلَقَبُهُ تَاجُ الدِّينِ.
وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ جَمَّالًا يَكْرِي الْجِمَالَ فِي الْأَسْفَارِ، ثُمَّ جَاءَتْهُ السَّعَادَةُ، فَاتَّصَلَ بِخُوَارَزْم شَاهْ، وَصَارَ سِيرَوَانَ جِمَالِهِ، فَرَأَى مِنْهُ جَلَدًا وَأَمَانَةً، فَقَدَّمَهُ إِلَى أَنْ صَارَ مِنْ أَعْيَانِ أُمَرَاءِ عَسْكَرِهِ، فَوَلَّاهُ مَدِينَةَ زَوْزَنَ، وَكَانَ عَاقِلًا ذَا رَأْيٍ، وَحَزْمٍ، وَشَجَاعَةٍ، فَتَقَدَّمَ عِنْدَ خُوَارَزْم شَاهْ تَقَدُّمًا كَثِيرًا، فَوَثِقَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ أُمَرَاءِ دَوْلَتِهِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِخُوَارَزْم شَاهْ: إِنْ بِلَادَ كَرْمَانَ مُجَاوِرَةٌ لِبَلَدِي، فَلَوْ أَضَافَ السُّلْطَانُ إِلَيَّ عَسْكَرًا لِمَلَكْتُهَا فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ. فَسَيَّرَ مَعَهُ عَسْكَرًا كَثِيرًا فَمَضَى إِلَى كَرْمَانَ، وَصَاحِبُهَا اسْمُهُ حَرْبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الَّذِي كَانَ صَاحِبُ سِجِسْتَانَ أَيَّامَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، فَقَاتَلَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ قُوَّةٌ، وَضَعُفَ، فَمَلَكَ أَبُو بَكْرٍ بِلَادَهُ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى نُوَاحِي مَكْرَانَ فَمَلَكَهَا كُلَّهَا إِلَى السِّنْدِ، مِنْ حُدُودِ كَابُلَ، وَسَارَ إِلَى هُرْمُزَ، مَدِينَةً عَلَى سَاحِلِ بَحْرِ مَكْرَانَ، فَأَطَاعَهُ صَاحِبُهَا، وَاسْمُهُ مِلْنَكَ، وَخَطَبَ بِهَا لِخُوَارَزْم شَاهْ، وَحَمَلَ عَنْهَا مَالًا، وَخَطَبَ لَهُ بِقَلْهَاتٍ، وَبَعْضِ عُمَانَ، لِأَنَّ أَصْحَابَهَا كَانُوا يُطِيعُونَ صَاحِبَ هُرْمُزَ.