وَسَمِعَ إِيلْدِكْزُ الْخَبَرَ وَهُوَ بِنَقْجُوَانَ، فَسَارَ مُجِدًّا فِيمَنْ خَفَّ مَعَهُ مِنْ عَسْكَرِهِ، فَقَصَدَهُ، فَهَرَبَ بُرْجُمٌ إِلَى أَنْ قَارَبَ بَغْدَادَ، وَتَبِعَهُ إِيلْدِكْزُ فَظَنَّ الْخَلِيفَةُ أَنَّهَا حِيلَةٌ لِيَصِلَ إِلَى بَغْدَادَ فَجْأَةً، فَشَرَعَ فِي جَمْعِ الْعَسَاكِرِ وَعَمِلَ السُّورَ، فَأَرْسَلَ إِلَى إِيلْدِكْزَ الْخِلَعَ وَالْأَلْقَابَ الْكَبِيرَةَ، فَاعْتَذَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِلَّا كَفَّ فَسَادِ هَؤُلَاءِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ قَنْطَرَةَ خَانِقِينَ وَعَادَ.
[الْوَفَيَاتُ] وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْأَمِيرُ يَزْدَنُ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أُمَرَاءِ بَغْدَادَ، وَكَانَ يَتَشَيَّعُ، فَوَقَعَ بِسَبَبِهِ فِتْنَةٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ بِوَاسِطَ لِأَنَّ الشِّيعَةَ جَلَسُوا لَهُ لِلْعَزَاءِ وَأَظْهَرَ السُّنَّةُ الشَّمَاتَةَ بِهِ فَآلَ الْأَمْرُ إِلَى الْقِتَالِ فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ جَمَاعَةٌ.
وَلَمَّا مَاتَ أُقْطِعَ أَخُوهُ تُنَامُشُ مَا كَانَ لِأَخِيهِ وَهُوَ مَدِينَةُ وَاسِطَ، وَلُقِّبَ عَلَاءَ الدِّينِ.
وَفِيهَا أَرْسَلَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِي رَسُولًا إِلَى الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ الرَّسُولُ الْقَاضِيَ كَمَالَ الدِّينِ أَبَا الْفَضْلِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الشَّهْرَزُورِيَّ، قَاضِيَ بِلَادِهِ جَمِيعِهَا مَعَ الْوُقُوفِ وَالدِّيوَانِ، وَحَمَّلَهُ رِسَالَةً مَضْمُونُهَا الْخِدْمَةُ لِلدِّيوَانِ، وَمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ، وَفَتْحِ بِلَادِهِمْ، وَيَطْلُبُ تَقْلِيدًا بِمَا بِيَدِهِ مِنَ الْبِلَادِ، مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَالْمَوْصِلِ، وَبِمَا فِي طَاعَتِهِ كَدِيَارِ بَكْرٍ وَمَا يُجَاوِرُ ذَلِكَ كَخِلَاطَ وَبِلَادِ قَلَجِ أَرْسِلَانَ، وَأَنْ يُعْطَى مِنَ الْإِقْطَاعِ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ مَا كَانَ لِأَبِيهِ زَنْكِي وَهُوَ: صَرِيفِينُ وَدَرْبُ هَارُونَ، وَالْتَمَسَ أَرْضًا عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ يَبْنِيهَا مَدْرَسَةً لِلشَّافِعِيَّةِ، وَيُوقِفُ عَلَيْهَا صَرِيفِينَ وَدَرْبَ هَارُونَ، فَأُكْرِمَ كَمَالُ الدِّينِ إِكْرَامًا لَمْ يُكْرَمْ بِهِ رَسُولٌ قَبْلَهُ، وَأُجِيبَ إِلَى مَا الْتَمَسَهُ، فَمَاتَ نُورُ الدِّينِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي بِنَاءِ الْمَدْرَسَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.