وَأَرْسَلَ مُلَيْحٌ إِلَى نُورِ الدِّينِ كَثِيرًا مِنْ غَنَائِمِهِمْ وَمِنَ الْأَسْرَى ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ مَشْهُورِيهِمْ وَأَعْيَانِهِمْ، فَسَيَّرَ نُورُ الدِّينِ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَضِيءِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَكَتَبَ يَعْتَدُّ بِهَذَا لِأَنَّ بَعْضَ جُنْدِهِ فَعَلُوهُ.
ذِكْرُ وَفَاةِ إِيلْدِكْزَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ أَتَابِكُ إِيلْدِكْزُ بِهَمَذَانَ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ الْبَهْلَوَانُ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَكَانَ إِيلْدِكْزُ هَذَا مَمْلُوكًا لِلْكَمَالِ السُّمَيْرَمِيِّ، وَزِيرِ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، فَلَمَّا قُتِلَ الْكَمَالُ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، صَارَ إِيلْدِكْزُ إِلَى السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، فَلَمَّا وَلِيَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ السَّلْطَنَةَ وَلَّاهُ أَرَّانِيَّةَ، فَمَضَى إِلَيْهَا، وَلَمْ يَعُدْ يَحْضُرُ عِنْدَ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ وَلَا غَيْرِهِ، ثُمَّ مَلَكَ أَكْثَرَ أَذْرَبِيجَانَ وَبِلَادَ الْجَبَلِ وَهَمَذَانَ وَغَيْرَهَا، وَأَصْفَهَانَ وَالرَّيَّ وَمَا وَالَاهُمَا مِنَ الْبِلَادِ، وَخَطَبَ بِالسَّلْطَنَةِ لِابْنِ امْرَأَتِهِ أَرْسِلَان شَاهْ بْنِ طُغْرُلَ، وَكَانَ عَسْكَرُهُ خَمْسِينَ أَلْفِ فَارِسٍ سِوَى الْأَتْبَاعِ، وَاتَّسَعَ مُلْكُهُ مِنْ بَابِ تَفْلِيسَ إِلَى كَرْمَانَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ أَرْسِلَان شَاهْ مَعَهُ حُكْمٌ إِنَّمَا كَانَ لَهُ جِرَايَةً تَصِلُ إِلَيْهِ.
وَبَلَغَ مَنْ تَحَكُّمِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَرِبَ لَيْلَةً، فَوَهَبَ مَا فِي خِزَانَتِهِ، وَكَانَ كَثِيرًا، فَلَمَّا سَمِعَ إِيلْدِكْزُ بِذَلِكَ اسْتَعَادَهُ جَمِيعَيَهُ، وَقَالَ لَهُ: مَتَى أَخْرَجْتَ الْمَالَ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ، أَخَذْتَهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ، وَظَلَمْتَ الرَّعِيَّةَ.
وَكَانَ إِيلْدِكْزُ عَاقِلًا، حَسَنَ السِّيرَةِ، يَجْلِسُ بِنَفْسِهِ لِلرَّعِيَّةِ، وَيَسْمَعُ شَكَاوِيهِمْ، وَيُنْصِفُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ.