أَبْرِيمُ، فَحَصَرَهَا، وَقَاتَلَهُ أَهْلُهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِقِتَالِ الْعَسْكَرِ الْإِسْلَامِيِّ قُوَّةٌ ; لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ جُنَّةٌ تَقِيهِمُ السِّهَامَ وَغَيْرَهَا مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ، فَسَلَّمُوهَا، فَمَلَكَهَا، وَأَقَامَ بِهَا، وَلَمْ يَرَ لِلْبِلَادِ دَخْلًا يُرْغَبُ فِيهِ وَتُحْتَمَلُ الْمَشَقَّةُ لِأَجْلِهِ، وَقُوتُهُمُ الذُّرَةُ، فَلَمَّا رَأَى عَدَمَ الْحَاصِلِ، وَقَشَفَ الْعَيْشِ مَعَ مُبَاشَرَةِ الْحُرُوبِ وَمُعَانَاةِ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ، تَرَكَهَا وَعَادَ إِلَى مِصْرَ بِمَا غَنِمَ، وَكَانَ عَامَّةُ غَنِيمَتِهِمِ الْعَبِيدَ وَالْجَوَارِيَ.

ذِكْرُ ظَفَرٍ لِمُلَيْحِ بْنِ لِيُونَ بِالرُّومِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْأُولَى، هَزَمَ مُلَيْحُ بْنُ لِيُونَ الْأَرْمَنِيُّ، صَاحِبُ بِلَادِ الدُّرُوبِ الْمُجَاوِرَةِ لِحَلَبَ، عَسْكَرَ الرُّومِ مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نُورَ الدِّينِ كَانَ قَدِ اسْتَخْدَمَ مُلَيْحًا الْمَذْكُورَ، وَأَقْطَعَهُ إِقْطَاعًا سَنِيًّا، وَكَانَ مُلَازِمَ الْخِدْمَةِ لِنُورِ الدِّينِ، وَمُشَاهِدًا لِحُرُوبِهِ مَعَ الْفِرِنْجِ، وَمُبَاشِرًا لَهَا، وَكَانَ هَذَا مِنْ جَيِّدِ الرَّأْيِ وَصَائِبِهِ، فَإِنَّ نُورَ الدِّينِ لَمَّا قِيلَ لَهُ فِي مَعْنَى اسْتِخْدَامِهِ وَإِعْطَائِهِ الْأَقْطَاعَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ قَالَ: أَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ مِلَّتِهِ، وَأُرِيحُ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِي تَكُونُ بِإِزَائِهِ لِتَمْنَعَهُ مِنَ الْغَارَةِ عَلَى الْبِلَادِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُ.

وَكَانَ مُلَيْحٌ أَيْضًا يَتَقَوَّى بِنُورِ الدِّينِ عَلَى مَنْ يُجَاوِرُهُ مِنَ الْأَرْمَنِ وَالرُّومِ، وَكَانَتْ مَدِينَةُ أَدِنَةَ وَالْمِصِّيصَةِ وَطَرْسُوسَ بِيَدِ مَلِكِ الرُّومِ، صَاحِبِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَأَخَذَهَا مُلَيْحٌ مِنْهُمْ لِأَنَّهَا تُجَاوِرُ بِلَادَهُ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ مَلِكُ الرُّومِ جَيْشًا كَثِيفًا، وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ بَعْضَ أَعْيَانِ الْبَطَارِقَةِ مَنْ أَقَارِبِهِ، فَلَقِيَهُمْ مُلَيْحٌ وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ عَسْكَرِ نُورِ الدِّينِ، فَقَاتَلَهُمْ، وَصَدَقَهُمُ الْقِتَالَ، وَصَابَرَهُمْ، فَانْهَزَمَتِ الرُّومُ، وَكَثُرَ فِيهِمُ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ، وَقَوِيَتْ شَوْكَةُ مُلَيْحٍ، وَانْقَطَعَ أَمَلُ الرُّومِ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015