مَنْزِلَةٌ كَبِيرَةٌ، فَوَعَظُوهُ، وَخَوَّفُوهُ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَعْلَمُوهُ أَنَّ خُوَارَزْم شَاهْ يُرَاسِلُهُمْ وَيَتَهَدَّدُهُمْ بِأَنَّهُ يَجِيءُ بِالْأَتْرَاكِ وَالْخَطَا وَيَسْتَبِيحُ حَرِيمَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَقَالُوا لَهُ: إِمَّا أَنْ تَحْضُرَ أَنْتَ بِنَفْسِكَ، وَتَجْعَلَ مَرْوَ دَارَ مُلْكِكَ، حَتَّى يَنْقَطِعَ طَمَعُ الْكَافِرِينَ عَنِ الْبِلَادِ وَيَأْمَنَ أَهْلُهَا، وَإِمَّا أَنْ تُصَالِحَ خُوَارَزْم شَاهْ، فَأَجَابَ إِلَى الصُّلْحِ وَتَرَكَ مُعَارَضَةَ الْبِلَادِ.

فَلَمَّا سَمِعَ مَنْ بِخُرَاسَانَ مِنَ الْغُزِّ بِذَلِكَ طَمِعُوا فِي الْبِلَادِ، فَعَاوَدُوا النَّهْبَ وَالْإِحْرَاقَ وَالتَّخْرِيبَ، فَسَمِعَ خُوَارَزْم شَاهْ فَجَمَعَ عَسَاكِرَهُ وَحَضَرَ بِخُرَاسَانَ، وَدَخَلَ مَرْوَ وَسَرْخَسَ وَنَسَا وَأَبْيُوَرْدَ وَغَيْرَهَا، وَأَصْلَحَ الْبِلَادَ، وَتَطَرَّقَ إِلَى طُوسَ وَهِيَ لِلْمُؤَيَّدِ صَاحِبِ نَيْسَابُورَ، فَجَمَعَ الْمُؤَيَّدُ جُيُوشَهُ وَسَارَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُؤَيَّدُ بِعَوْدِ خُوَارَزْم شَاهْ طَمِعَ فِيهِ وَتَبِعَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ خُوَارَزْم شَاهْ بِذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَى الْمَنَاهِلِ الَّتِي فِي الْبَرِّيَّةِ فَأَلْقَى فِيهَا الْجِيَفَ وَالتُّرَابَ بِحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا.

فَلَمَّا تَوَسَّطَ الْمُؤَيَّدُ الْبَرِّيَّةَ طَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَجَاءَ خُوَارَزْم شَاهْ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَمَعَهُ الْمَاءُ عَلَى الْجِمَالِ، فَأَحَاطَ بِهِ، فَأَمَّا عَسْكَرُهُ فَاسْتَسْلَمُوا بِأَسْرِهِمْ، وَجِيءَ بِالْمُؤَيَّدِ أَسِيرًا إِلَى خُوَارَزْم شَاهْ، فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُخَنَّثُ هَذَا فِعَالُ النَّاسِ؟ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَقَتَلَهُ وَحَمَلَ رَأْسَهُ إِلَى خُوَارَزْمَ.

فَلَمَّا قُتِلَ مَلِكُ نَيْسَابُورَ مَلَكَ مَا كَانَ لَهُ ابْنُهُ طُغَان شَاهْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلَ جَمَعَ خُوَارَزْم شَاهْ عَسَاكِرَهُ وَسَارَ إِلَى نَيْسَابُورَ، فَحَاصَرَهَا وَقَاتَلَهَا، فَمَنَعَهُ طُغَان شَاهْ، فَعَادَ عَنْهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ طُغَان شَاهْ، فَقَاتَلَهُ، فَأَسَرَ طُغَان شَاهْ، وَأَخَذَهُ، وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ، وَحَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خُوَارَزْمَ، وَمَلَكَ نَيْسَابُورَ وَجَمِيعَ مَا كَانَ لِطُغَان شَاهْ مِنَ الْمُلْكِ وَعَظُمَ شَأْنُهُ وَقَوِيَ أَمْرُهُ.

هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لَفَعَلْتُ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ قَدَّمَ مَا أَخَّرَهُ الْآخَرُ، فَلِهَذَا أَوْرَدْنَا جَمِيعَ مَا قَالَاهُ، وَلِبُعْدِ الْبِلَادِ عَنَّا لَمْ نَعْلَمْ أَيَّ الْقَوْلَيْنِ أَصَحَّ لِنَذْكُرَهُ وَنَتْرُكَ الْآخَرَ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَتْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ أَيَّامَ سُلْطَان شَاهْ لَمْ تُطِلْ لَهُ وَلِأَعْقَابِهِ حَتَّى تَتَفَرَّقَ عَلَى السِّنِينَ، فَلِهَذَا أَوْرَدْتُهَا مُتَتَابِعَةً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015