وَاإِسْلَامَاهُ، وَادِينَ مُحَمَّدَاهُ، وَيَشُقُّ ثِيَابَهُ، وَيَرْمِي عِمَامَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ، وَيَخْرُجُ إِلَى دَارِ السُّلْطَانِ وَالنَّاسُ مَعَهُ يَسْتَغِيثُونَ كَذَلِكَ، وَوَضَعَ إِنْسَانًا آخَرَ يَفْعَلُ بِجَامِعِ السُّلْطَانِ مِثْلَهُ.

فَلَمَّا صَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَلَطَمَ رَأَسَهُ، وَأَلْقَى عِمَامَتَهُ، وَشَقَّ ثَوْبَهُ وَأُولَئِكَ مَعَهُ، وَصَاحُوا، فَبَكَى النَّاسُ، وَتَرَكُوا الصَّلَاةَ، وَلَعَنُوا السُّلْطَانَ، وَسَارُوا مِنَ الْجَامِعِ يَتَّبِعُونَ الشَّيْخَ إِلَى دَارِ السُّلْطَانِ، فَوَجَدُوا النَّاسَ فِي جَامِعِ السُّلْطَانِ كَذَلِكَ، وَأَحَاطَ النَّاسُ بِدَارِ السُّلْطَانِ يَسْتَغِيثُونَ وَيَبْكُونَ، فَخَافَ السُّلْطَانُ فَقَالَ:

أَحْضِرُوا إِلَيَّ ابْنَ الشَّهْرَزُورِيِّ فَأُحْضِرَ، فَقَالَ كَمَالُ الدَّيْنِ: لَقَدْ خِفْتُ مِنْهُ مِمَّا رَأَيْتُ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قَالَ لِي: أَيَّ فِتْنَةٍ أَثَرْتَ؟ فَقُلْتُ: مَا فَعَلْتُ شَيْئًا، أَنَا كُنْتُ فِي بَيْتِي، وَإِنَّمَا النَّاسُ يَغَارُونَ لِلدِّينِ وَالْإِسْلَامِ، وَيَخَافُونَ عَاقِبَةَ هَذَا التَّوَانِي، فَقَالَ: اخْرُجْ إِلَى النَّاسِ فَفَرِّقْهُمْ عَنَّا، وَاحْضُرْ غَدًا، وَاخْتَرْ مِنَ الْعَسْكَرِ مَنْ تُرِيدُ، فَفَرَّقْتُ النَّاسَ، وَعَرَّفْتُهُمْ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ تَجْهِيزِ الْعَسَاكِرِ، وَحَضَرْتُ مِنَ الْغَدِ إِلَى الدِّيوَانِ، فَجَهَّزُوا لِي طَائِفَةً عَظِيمَةً مِنَ الْجَيْشِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى نَصِيرِ الدِّينِ بِالْمَوْصِلِ أُعَرِّفُهُ ذَلِكَ، وَأُخَوِّفُهُ مِنَ الْعَسْكَرِ إِنْ طَرَقُوا الْبِلَادَ، فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا، فَأَعَادَ الْجَوَابَ يَقُولُ:

الْبِلَادُ لَا شَكَّ مَأْخُوذَةٌ، فَلَأَنْ يَأْخُذَهَا الْمُسْلِمُونَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْخُذَهَا الْكَافِرُونَ.

فَشَرَعْنَا فِي التَّحْمِيلِ لِلرَّحِيلِ، وَإِذْ قَدْ وَصَلَنِي كِتَابُ أَتَابَكْ زَنْكِي مِنَ الشَّامِ يُخْبِرُ بِرَحِيلِ مَلِكِ الرُّومِ، وَيَأْمُرُنِي بِأَنْ لَا أَسْتَصْحِبَ مِنَ الْعَسْكَرِ أَحَدًا، فَعَرَّفْتُ السُّلْطَانَ ذَلِكَ فَقَالَ:

الْعَسْكَرُ قَدْ تَجَهَّزَ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْغَزَاةِ إِلَى الشَّامِ، فَبَعْدَ الْجُهْدِ وَبَذْلِ الْخِدْمَةِ الْعَظِيمَةِ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ أَعَادَ الْعَسْكَرَ.

وَلَمَّا عَادَ مَلِكُ الرُّومِ عَنْ شَيْزَرَ مَدَحَ الشُّعَرَاءُ أَتَابَكْ زَنْكِي وَأَكْثَرُوا، فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمُسْلِمُ بْنُ خَضِرِ بْنِ قُسَيْمٍ الْحَمَوِيُّ مِنْ قَصِيدَةٍ أَوَّلُهَا:

بِعَزْمِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ الْعَظِيمُ ... تَذِلُّ لَكَ الصِّعَابُ وَتَسْتَقِيمُ

وَمِنْهَا:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ كَلْبَ الرُّومِ لَمَّا ... تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْمَلِكُ الرَّحِيمُ

فَجَاءَ يُطَبِّقُ الْفَلَوَاتِ خَيْلًا ... كَأَنَّ الْجَحْفَلَ اللَّيْلُ الْبَهِيمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015