مَلَكَ قِلَاعَ الْحُمَيْدِيَّةِ وَأَجْلَاهُمْ عَنْهَا خَافَ أَبُو الْهَيْجَاءِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ قَلْعَةِ آشِبَ وَالْجَزِيرَةِ وَنُوشَى، فَأَرْسَلَ إِلَى أَتَابَكْ زَنْكِي مَنِ اسْتَحْلَفَهُ لَهُ، وَحَمَلَ إِلَيْهِ مَالًا، وَحَضَرَ عِنْدَ زَنْكِي بِالْمَوْصِلِ فَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ، فَدُفِنَ بِتَلِّ تَوْبَةَ.
وَلَمَّا سَارَ عْنَ آشِبَ إِلَى الْمَوْصِلِ أَخْرَجَ وَلَدَهُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي الْهَيْجَاءِ مِنْهَا ; خَوْفًا أَنَّ يَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا، وَأَعْطَاهُ قَلْعَةَ نُوشَى، وَأَحْمَدُ هَذَا هُوَ وَالِدُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفِ بِالْمَشْطُوبِ، مِنْ أَكَابِرَ أُمَرَاءَ صَلَاحِ الدِّينِ بْنِ أَيُّوبَ بِالشَّامِ.
وَلَمَّا أَخْرَجَهُ أَبُوهُ مَنْ آشِبَ اسْتَنَابَ بِهَا كُرْدِيًّا يُقَالُ لَهُ: بَاوُ الْأَرْجِيُّ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو الْهَيْجَاءِ سَارَ وَلَدُهُ أَحْمَدُ بْنُ نُوشَى إِلَى آشِبَ لِيَمْلِكَهَا، فَمَنَعَهُ بَاوُ وَأَرَادَ حِفْظَهَا لِوَلَدٍ صَغِيرٍ لِأَبِي الْهَيْجَاءِ اسْمُهُ عَلِيٌّ، فَسَارَ زَنْكِي بِعَسْكَرِهِ فَنَزَلَ عَلَى آشِبَ وَمَلَكَهَا.
وَسَبَبُ مَلْكِهَا أَنَّ أَهْلَهَا نَزَلُوا كُلُّهُمْ إِلَى الْقِتَالِ، فَتَرَكَهُمْ زَنْكِي حَتَّى قَارَبُوهُ، وَاسْتَجَرَّهُمْ حَتَّى أَبْعَدُوا عَنِ الْقَلْعَةِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا، فَوَضَعَ السَّيْفَ فِيهِمْ، فَأَكْثَرَ الْقَتْلَ وَالْأَسْرَ، وَمَلَكَ زَنْكِي الْقَلْعَةَ فِي الْحَالِ، وَأَحْضَرَ جَمَاعَةً مِنْ مُقَدِّمِي الْأَكْرَادِ فِيهِمْ بَاوُ فَقَتَلَهُمْ، وَعَادَ عَنْهَا إِلَى الْمَوْصِلِ، ثُمَّ سَارَ عَنْهَا، فَفِي غَيْبَتِهِ أَرْسَلَ نَصِيرَ الدِّينِ جَقَرَ نَائِبَ زَنْكِي، وَخَرَّبَ آشِبَ وَخَلَّى كُهَيْجَةَ وَنُوشَى وَقَلْعَةَ الْجَلَّابِ وَهِيَ قَلْعَةُ الْعِمَادِيَّةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى قَلْعَةِ الشَّعْبَانِيِّ، وَفَرَحٍ، وَكُوشِرَ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَأَلْقَى، وَنِيرُوَّةَ، وَهِيَ حُصُونٌ الْمِهْرَانِيَّةِ، فَحَصَرَهَا فَمَلَكَ الْجَمِيعَ، وَاسْتَقَامَ أَمْرُ الْجَبَلِ وَالزُّوزَانِ، وَأَمِنَتِ الرَّعَايَا مِنَ الْأَكْرَادِ.
وَأَمَّا بَاقِي قِلَاعِ الْهَكَّارِيَّةِ جَلَّ صُورَ، وَهَرُورُ، وَالْمَلَاسِي، وَمَابَرْمَا، وَيَابُوخَا، وَبَاكِزَا، وَنِسْبَاسُ، فَإِنَّ قُرَاجَةَ صَاحِبَ الْعِمَادِيَّةِ فَتَحَهَا مِنْ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ بَعْدَ قَتْلِ زَنْكِي، وَقُرَاجَةُ هَذَا كَانَ أَمِيرًا قَدْ أَقْطَعَهُ زَيْنُ الدِّينِ عَلِيٌّ بَلَدَ الْهَكَّارِيَّةِ بَعْدَ قَتْلِ زَنْكِي، وَلَمْ أَعْلَمْ تَارِيخَ فَتْحِ هَذِهِ الْقِلَاعِ ;فَلِهَذَا ذَكَرْتُهُ هَاهُنَا.
وَحَكَى غَيْرَ هَذَا بَعْضُ فُضَلَاءِ الْأَكْرَادِ، وَخَالَفَ فِيهِ فَقَالَ:
إِنَّ زَنْكِي لَمَّا فَتَحَ قَلْعَةَ آشِبَ وَخَرَّبَهَا، وَبَنَى قَلْعَةَ الْعِمَادِيَّةِ، وَلَمْ يَبْقَ فِي الْهَكَّارِيَّةِ إِلَّا صَاحِبُ جَلَّ صُورَا، وَصَاحِبُ هَرُورَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا شَوْكَةٌ يُخَافُ مِنْهَا، عَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ فَخَافَهُ أَصْحَابُ الْقِلَاعِ الْجَبَلِيَّةِ، فَاتُّفِقَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ صَاحِبَ الرَّبِيَّةِ، وَأَلْقَى، وَفَرَحٍ،