وَقَصَدَا مَدِينَةَ آمِدَ فَحَصَرَاهَا، فَأَرْسَلَ صَاحِبُهَا إِلَى دَاوُدَ بْنِ سَقْمَانَ بْنِ أُرْتُقَ صَاحِبِ حِصْنِ كِيفَا يَسْتَنْجِدُهُ، فَجَمَعَ مَنْ أَمْكَنَهُ جَمْعَهُ، وَسَارَ نَحْوَ آمِدَ لِيُرَحِّلَهُمَا عَنْهَا، فَالْتَقَوْا عَلَى بَابِ آمِدَ، وَتَصَافُّوا فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فَانْهَزَمَ دَاوُدُ، وَعَادَ مَفْلُولًا، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ عَسْكَرِهِ.
وَأَقَامَ زَنْكِي وَتَمُرْتَاشُ عَلَى آمِدَ مُحَاصِرِينَ لَهَا، وَقَطَّعَا الشَّجَرَ، وَشَعَّثَا الْبَلَدَ، وَعَادَا عَنْهَا مِنْ غَيْرِ بُلُوغِ غَرَضٍ، فَقَصَدَ زَنْكِي قَلْعَةَ الصُّورَ مِنْ دِيَارِ بَكْرٍ، وَحَصَرَهَا وَضَايَقَهَا، فَمَلَكَهَا فِي رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَاتَّصَلَ بِهِ ضِيَاءُ الدِّينِ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْكَفْرَتُوثِيِّ زَنْكِي، وَكَانَ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ، عَظِيمَ الرِّئَاسَةِ وَالْكِفَايَةِ، مُحِبًّا لِلْخَيْرِ وَأَهْلِهِ.
ذِكْرُ مُلْكِ زَنْكِي قِلَاعَ الْأَكْرَادِ الْحُمَيْدِيَّةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَوْلَى عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي عَلَى جَمِيعِ قِلَاعِ الْأَكْرَادِ الْحُمَيْدِيَّةِ، مِنْهَا قَلْعَةُ الْعَقْرِ وَقَلْعَةُ شُوشَ، وَغَيْرُهُمَا.
وَكَانَ لَمَّا مَلَكَ الْمَوْصِلَ أَقَرَّ صَاحِبَهَا الْأَمِيرَ عِيسَى الْحُمَيْدِيَّ عَلَى وِلَايَتِهَا وَأَعْمَالِهَا، وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا هُوَ بِيَدِهِ، فَلَمَّا حَصَرَ الْمُسْتَرْشِدُ الْمَوْصِلَ حَضَرَ عِيسَى هَذَا عِنْدَهُ، وَجَمَعَ الْأَكْرَادَ عِنْدَهُ فَأَكْثَرَ، فَلَمَّا رَحَلَ الْمُسْتَرْشِدُ عَنِ الْمَوْصِلِ أَمَرَ زَنْكِي أَنْ تُحْصَرَ قِلَاعُهُمْ فَحُصِرَتْ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَقُوتِلَتْ قِتَالًا شَدِيدًا إِلَى أَنْ مُلِكَتْ هَذِهِ السَّنَةَ، فَاطْمَأَنَّ إِذًا أَهْلُ سَوَادِ الْمَوْصِلِ الْمُجَاوِرُونَ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مَعَهُمْ فِي ضَائِقَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ نَهْبِ أَمْوَالِهِمْ، وَخَرَابِ الْبِلَادِ.
ذِكْرُ مُلْكِ قِلَاعِ الْهَكَّارِيَّةِ وَكَوَاشَى
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْأَكْرَادِ مِمَّنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِهِمْ أَنَّ أَتَابَكْ زَنْكِي لَمَّا