وَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ أَقْبَحَ هَزِيمَةٍ، وَوَقَعَ كَثِيرٌ مِنْ فُرْسَانِهِمْ فِي الْأَسْرِ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَتَقَدَّمَ عِمَادُ الدِّينِ إِلَى عَسْكَرِهِ بِالْإِنْجَازِ، وَقَالَ: هَذَا أَوَّلُ مَصَافٍّ عَمِلْنَاهُ مَعَهُمْ، فَلْنُذِقْهُمْ مِنْ بَأْسِنَا مَا يَبْقَى رُعْبُهُ فِي قُلُوبِهِمْ، فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، وَلَقَدِ اجْتَزْتُ بِتِلْكَ الْأَرْضِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ لَيْلًا، فَقِيلَ لِي: إِنَّ كَثِيرًا مِنِ الْعِظَامِ بَاقٍ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ.

فَلَمَّا فَرَغَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ظَفَرِهِمْ عَادُوا إِلَى الْحِصْنِ فَتَسَلَّمُوهُ عَنْوَةً، وَقَتَلُوا وَأَسَرُوا كُلَّ مَنْ فِيهِ، وَأَخْرَبَهُ عِمَادُ الدِّينِ وَجَعَلَهُ دَكًّا، وَبَقِيَ إِلَى الْآنَ خَرَابًا، ثُمَّ سَارَ مِنْهُ إِلَى قَلْعَةِ حَارِمٍ، وَهِيَ بِالْقُرْبِ مِنْ أَنْطَاكِيَّةَ، فَحَصَرَهَا وَهِيَ أَيْضًا لِلْفِرِنْجِ، فَبَذَلَ لَهُ أَهْلُهَا نِصْفَ دَخْلِ بَلَدِ حَارِمٍ وَهَادَنُوهُ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَعَادَ عَنْهُمْ وَقَدِ اسْتَدَارَ الْمُسْلِمُونَ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ، وَضَعُفَتْ قُوَى الْكَافِرِينَ، وَعَلِمُوا أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ جَاءَهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابٍ، وَصَارَ قُصَارَاهُمْ حِفْظَ مَا بِأَيْدِيهِمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا قَدْ طَمِعُوا فِي مُلْكِ الْجَمِيعِ.

ذِكْرُ مُلْكِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِي أَيْضًا مَدِينَةَ سَرْجِي وَدَارًا

لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ الْأَثَارِبِ وَتِلْكَ النَّوَاحِي عَادَ إِلَى دِيَارِ الْجَزِيرَةِ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَهُ عَنْ حُسَامِ الدِّينْ تَمْرُتَاشَ بْنِ إِيلْغَازِي صَاحِبِ مَارِدِينَ، وَابْنِ عَمِّهِ رُكْنِ الدَّوْلَةِ دَاوُدَ بْنِ سَقْمَانَ صَاحِبِ حِصْنِ كِيفَا، قَوَارِصَ، فَعَادَ إِلَيْهِمْ وَحَصَرَ مَدِينَةَ سَرْجِي، وَهِيَ بَيْنَ مَارِدِينَ وَنَصِيبِينَ، فَاجْتَمَعَ حُسَامُ الدِّينِ وَرُكْنُ الدَّوْلَةِ وَصَاحِبُ آمِدَ وَغَيْرُهُمْ، وَجَمَعُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ التُّرْكُمَانِ بَلَغَتْ عِدَّتُهُمْ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَسَارُوا إِلَيْهِ، فَتَصَافُّوا بِتِلْكَ النَّوَاحِي، فَهَزَمَهُمْ عِمَادُ الدِّينِ وَمَلَكَ سَرْجِي.

فَحَكَى لِي وَالِدِي قَالَ:

لَمَّا انْهَزَمَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ دَاوُدُ قَصَدَ بَلَدَ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ وَنَهَبَهُ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى عِمَادِ الدِّينِ، فَسَارَ نَحْوَ الْجَزِيرَةِ، وَأَرَادَ دُخُولَ بَلَدٍ دَاوُدَ، ثُمَّ عَادَ لِضِيقِ مَسَالِكِهِ وَخُشُونَةِ الْجِبَالِ الَّتِي فِي الطَّرِيقِ، وَسَارَ إِلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015