عَلَيْهِمْ خَرْجًا مَعْلُومًا كُلَّ سَنَةٍ يَقُومُونَ بِهِ، وَعَادُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَعَادَ الْمَأْمُونُ إِلَى مِصْرَ مُظَفَّرًا مَنْصُورًا.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي صَفَرٍ، أَمَرَ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ بِبِنَاءِ سُورِ بَغْدَاذَ، وَأَنْ يُجْبَى مَا يَخْرُجُ عَلَيْهِ مِنَ الْبَلَدِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، وَجُمِعَ مِنْ ذَلِكَ مَالٌ كَثِيرٌ، فَلَمَّا عَلِمَ الْخَلِيفَةُ كَرَاهَةَ النَّاسِ لِذَلِكَ أَمَرَ بِإِعَادَةِ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ، فَسُرُّوا بِذَلِكَ، وَكَثُرَ الدُّعَاءُ لَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْوَزِيرَ أَحْمَدَ بْنَ نِظَامِ الْمُلْكِ بَذَلَ مِنْ مَالِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَقَالَ: نُقَسِّطُ الْبَاقِيَ عَلَى أَرْبَابِ الدَّوْلَةِ.
وَكَانَ أَهْلُ بَغْدَاذَ يَعْمَلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ فِيهِ، وَكَانُوا يَتَنَاوَبُونَ الْعَمَلَ: يَعْمَلُ أَهْلُ كُلِّ مَحَلَّةٍ مُنْفَرِدِينَ بِالطُّبُولِ وَالزُّمُورِ، وَزَيَّنُوا الْبَلَدَ، وَعَمِلُوا فِيهِ الْقِبَابَ.
وَفِيهَا عُزِلَ نَقِيبُ الْعَلَوِيِّينَ، وَهُدِمَتْ دَارُ عَلِيِّ بْنِ أَفْلَحَ، وَكَانَ الْخَلِيفَةُ يُكْرِمُهُ، فَظَهَرَ أَنَّهُمَا عَيْنٌ لِدُبَيْسٍ يُطَالِعَانِهِ بِالْأَخْبَارِ، وَجَعَلَ الْخَلِيفَةُ نِقَابَةَ الْعَلَوِيِّينَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ طَرَّادٍ، نَقِيبِ الْعَبَّاسِيِّينَ.
وَفِيهَا جَمَعَ الْأَمِيرُ بَلْكُ عَسَاكِرَهُ وَسَارَ إِلَى غَزَاةٍ بِالشَّامِ، فَلَقِيَهُ الْفِرِنْجُ، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ وَقُتِلَ مِنْهُمْ وَأُسِرَ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ مُقَدَّمِيهِمْ وَرَجَّالَتِهِمْ.
وَفِيهَا كَانَ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ غَلَاءٌ شَدِيدٌ، وَكَانَ أَكْثَرُهُ بِالْعِرَاقِ، فَبَلَغَ ثَمَنُ كَارَةِ الدَّقِيقِ الْخُشْكَارِ سِتَّةَ دَنَانِيرَ وَعَشَرَةَ قَرَارِيطَ، وَتَبِعَ ذَلِكَ مَوْتُ كَثِيرٍ، وَأَمْرَاضٌ زَائِدَةٌ هَلَكَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ.
[الْوَفَيَاتُ]
وَفِيهَا، فِي صَفَرٍ، تُوُفِّيَ قَاسِمُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ الْحَسَنِيُّ أَمِيرُ مَكَّةَ، وَوَلِيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو فُلَيْتَةَ، وَكَانَ أَعْدَلَ مِنْهُ، وَأَحْسَنَ السِّيرَةِ، فَأَسْقَطَ الْمُكُوسَ، وَأَحْسَنَ إِلَى النَّاسِ.