صَنْدَلُ الْخُصِّيُّ، لِأَنَّهُ كَانَ عُمُرُهُ حِينَئِذٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً لَا يَسْتَقِلُّ بِتَدْبِيرِ الْمُلْكِ، فَقَامَ صَنْدَلُ فِي الْحِفْظِ وَالِاحْتِيَاطِ، فَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقُوَّادِهِ، كُلٌّ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا الْمُقَدَّمُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَبِيَدِيَ الْحَلُّ وَالشَّدُّ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ إِلَى أَنْ فَوَّضَ أُمُورَ دَوْلَتِهِ إِلَى قَائِدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِيهِ يُقَالُ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ مُوَفَّقٌ، فَصَلُحَتِ الْأُمُورُ.
ذِكْرُ قَتْلِ أَمِيرِ الْجُيُوشِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، قُتِلَ أَمِيرُ الْجُيُوشِ الْأَفْضَلُ بْنُ بَدْرٍ الْجَمَالِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُ الْأَمْرِ وَالْحُكْمِ بِمِصْرَ، وَكَانَ رَكِبَ إِلَى خِزَانَةِ السِّلَاحِ لِيُفَرِّقَهُ عَلَى الْأَجْنَادِ، عَلَى جَارِي الْعَادَةِ فِي الْأَعْيَادِ، فَسَارَ مَعَهُ عَالَمٌ كَثِيرٌ مِنَ الرَّجَّالَةِ وَالْخَيَّالَةِ، فَتَأَذَّى بِالْغُبَارِ، فَأَمَرَ بِالْبُعْدِ عَنْهُ، وَسَارَ مُنْفَرِدًا، مَعَهُ رَجُلَانِ، فَصَادَفَهُ رَجُلَانِ بِسُوقِ الصَّيَاقِلَةِ، فَضَرَبَاهُ بِالسَّكَاكِينِ فَجَرَحَاهُ، وَجَاءَ الثَّالِثُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ فِي خَاصِرَتِهِ، فَسَقَطَ عَنْ دَابَّتِهِ، وَرَجَعَ أَصْحَابُهُ فَقَتَلُوا الثَّلَاثَةَ، وَحَمَلُوهُ إِلَى دَارِ الْأَفْضَلِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ، وَتَوَجَّعَ لَهُ، وَسَأَلَ عَنِ الْأَمْوَالِ، فَقَالَ: أَمَّا الظَّاهِرُ مِنْهَا فَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ أُسَامَةَ الْكَاتِبُ يَعْرِفُهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ حَلَبَ، وَتَوَلَّى أَبُوهُ قَضَاءَ الْقَاهِرَةِ، وَأَمَّا الْبَاطِنُ فَابْنُ الْبَطَائِحِيِّ يَعْرِفُهُ، فَقَالَا: صَدَقَ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْأَفْضَلُ نُقِلَ مِنْ أَمْوَالِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَبَقِيَ الْخَلِيفَةُ فِي دَارِهِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَالْكَاتِبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالدَّوَابُّ تَحْمِلُ وَتَنْقُلُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَوُجِدَ لَهُ مِنَ الْأَعْلَاقِ النَّفِيسَةِ، وَالْأَشْيَاءِ الْغَرِيبَةِ الْقَلِيلَةِ الْوُجُودِ، مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ، وَاعْتُقِلَ أَوْلَادُهُ، وَكَانَ عُمُرُهُ سَبْعًا وَخَمْسِينَ سَنَةً وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ بَعْدَ أَبِيهِ ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَمِنْهَا: آخِرُ أَيَّامِ الْمُسْتَنْصِرِ، وَجَمِيعِ أَيَّامِ الْمُسْتَعْلِي، إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ أَيَّامِ الْآمِرِ.
وَكَانَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ يَكْرَهُونَهُ لِأَسْبَابٍ مِنْهَا: تَضْيِيقُهُ عَلَى إِمَامِهِمْ، وَتَرْكُهُ مَا يَجِبُ عِنْدَهُمْ سُلُوكُهُ مَعَهُمْ، وَمِنْهَا: تَرْكُ مُعَارَضَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي اعْتِقَادِهِمْ، وَالنَّهْيُ عَنْ مُعَارَضَتِهِمْ، وَإِذْنُهُ لِلنَّاسِ فِي إِظْهَارِ مُعْتَقَدَاتِهِمْ وَالْمُنَاظَرَةِ عَلَيْهَا، فَكَثُرَ الْغُرَبَاءُ بِبِلَادِ مِصْرَ.