ذِكْرُ ظَفَرِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بِدَكَّالَةَ
فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ سَارَ بَعْضُ الْمُرَابِطِينَ مِنَ الْمُلَثَّمِينَ إِلَى دَكَّالَةَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ قَبَائِلُهَا، وَصَارُوا يُغِيرُونَ عَلَى أَعْمَالِ مُرَّاكِشَ، وَعَبْدُ الْمُؤْمِنِ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ سَارَ إِلَيْهِمْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ دْكَّالَةُ بِذَلِكَ انْحَشَرُوا كُلُّهُمْ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فِي مِائَتَيْ أَلْفِ رَاجِلٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَكَانُوا مَوْصُوفِينَ بِالشَّجَاعَةِ.
وَكَانَ مَعَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْجُيُوشِ مَا يَخْرُجُ عَنِ الْحَصْرِ، وَكَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي فِيهِ دَكَّالَةُ كَثِيرَ الْحَجَرِ وَالْحُزُونَةِ، فَكَمَّنُوا فِيهِ كُمَنَاءَ لِيَخْرُجُوا عَلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ إِذَا سَلَكَهُ، فَمِنَ الِاتِّفَاقِ الْحَسَنِ لَهُ أَنَّهُ قَصَدَهُمْ مِنْ غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الْكُمَنَاءُ، فَانْحَلَّ عَلَيْهِمْ مَا قَدَرُوهُ، وَفَارَقُوا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، فَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ، فَدَخَلُوا الْبَحْرَ، فَقُتِلَ أَكْثَرُهُمْ، وَغُنِمَتْ إِبِلُهُمْ وَأَغْنَامُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، وَسُبِيَتْ نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ، فَبِيعَتِ الْجَارِيَةُ الْحَسْنَاءُ بِدَارِهِمَ يَسِيرَةٍ، وَعَادَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ إِلَى مُرَّاكِشَ مُظَفَّرًا مَنْصُورًا، وَثَبَتَ مُلْكُهُ، وَخَافَهُ النَّاسُ فِي جَمِيعِ الْمَغْرِبِ، وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ.
ذِكْرُ حَصْرِ مَدِينَةِ كُتِنْدَةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، يَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، خَرَجَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْفِرِنْجِ بِالْأَنْدَلُسِ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ رُدْمِيرَ، فَسَارَ حَتَّى انْتَهَى كُتِنْدَةَ، وَهِيَ بِالْقُرْبِ مِنْ مُرْسِيَةَ، فِي شَرْقِ الْأَنْدَلُسِ، فَحَصَرَهَا، وَضَيَّقَ عَلَى أَهْلِهَا، وَكَانَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ حِينَئِذٍ بِقُرْطُبَةَ، وَمَعَهُ جَيْشٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَجْنَادِ الْمُتَطَوِّعَةِ، فَسَيَّرَهُمْ إِلَى ابْنِ رُدْمِيرَ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَهَزَمَهُمُ ابْنُ رُدْمِيرَ هَزِيمَةً مُنْكَرَةً، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ فِيمَنْ قُتِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْفَرَّاءِ، قَاضِي الْمَرِيَّةِ، وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، وَالزُّهَّادِ فِي الدُّنْيَا الْعَادِلِينَ فِي الْقَضَاءِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كُسِرَ بَلْكُ بْنُ أُرْتُقَ عَفْرَاسُ الرُّومِيُّ، وَقُتِلَ مِنَ الرُّومِ خَمْسَةُ آلَافِ رَجُلٍ عَلَى قَلْعَةِ سَرْمَانَ مِنْ بَلَدِ انْدُكَانَ! وَأُسِرَ عَفْرَاسُ وَكَثِيرٌ مِنْ عَسْكَرِهِ.