عَلَى عَوْرَاتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ، فَقَوِيَ الطَّمَعُ فِيهِمْ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ، وَنُصِبَ عَلَيْهِمُ الْمَنْجَنِيقَاتُ وَالْأَبْرَاجُ، وَفَنِيَتْ أَقْوَاتُهُمْ، وَأَكَلُوا دَوَابَّهُمْ، وَمَاتَ مِنَ الْعَامَّةِ بِالْجُوعِ مَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، فَأَنْتَنَ الْبَلَدُ مِنْ رِيحِ الْمَوْتَى.

وَكَانَ بِمُرَّاكِشَ جَيْشٌ مِنَ الْفِرِنْجِ كَانَ الْمُرَابِطُونَ قَدِ اسْتَنْجَدُوا بِهِمْ، فَجَاءُوا إِلَيْهِمْ نَجْدَةً، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ رَاسَلُوا عَبْدَ الْمُؤْمِنِ يَسْأَلُونَ الْأَمَانَ فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ، فَفَتَحُوا لَهُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْبَلَدِ يُقَالُ لَهُ بَابُ أَغْمَاتَ، فَدَخَلَتْ عَسَاكِرُهُ بِالسَّيْفِ، وَمَلَكُوا الْمَدِينَةَ عَنْوَةً، وَقَتَلُوا مَنْ وَجَدُوا، وَوَصَلُوا إِلَى دَارِ أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَخْرَجُوا الْأَمِيرَ إِسْحَاقَ وَجَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنْ أُمَرَاءِ الْمُرَابِطِينَ فَقُتِلُوا، وَجَعَلَ إِسْحَاقُ يَرْتَعِدُ رَغْبَةً فِي الْبَقَاءِ، وَيَدْعُو لِعَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَيَبْكِي فَقَامَ إِلَيْهِ سَيْرُ بْنُ الْحَاجِّ، وَكَانَ إِلَى جَانِبِهِ مَكْتُوفًا فَبَزَقَ فِي وَجْهِهِ، وَقَالَ: تَبْكِي عَلَى أَبِيكَ وَأُمِّكَ؟ اصْبِرْ صَبْرَ الرِّجَالِ، فَهَذَا رَجُلٌ لَا يَخَافُ اللَّهَ وَلَا يَدِينُ بِدِينٍ.

فَقَامَ الْمُوَحِّدُونَ إِلَيْهِ بِالْخَشَبِ فَضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ الْمَعْرُوفِينَ بِالشَّجَاعَةِ، وَقُدِّمَ إِسْحَاقُ عَلَى صِغَرِ سِنِّهِ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَهُوَ آخِرُ مُلُوكِ الْمُرَابِطِينَ وَبِهِ انْقَرَضَتْ دَوْلَتُهُمْ، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِمْ سَبْعِينَ سَنَةً، وَوَلِيَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ: يُوسُفُ وَعَلِيٌّ وَتَاشَفِينُ وَإِسْحَاقُ.

وَلَمَّا فَتَحَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ مُرَّاكِشَ أَقَامَ بِهَا، وَاسْتَوْطَنَهَا وَاسْتَقَرَّ مُلْكُهُ. وَلَمَّا قَتَلَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَهْلِ مُرَّاكِشَ فَأَكْثَرَ فِيهِمُ الْقَتْلَ اخْتَفَى مِنْ أَهْلِهَا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَمَرَ فَنُودِيَ بِأَمَانِ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِهَا، فَخَرَجُوا، فَأَرَادَ أَصْحَابُهُ الْمَصَامِدَةُ قَتْلَهُمْ، فَمَنَعَهُمْ، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ صُنَّاعٌ، وَأَهْلُ الْأَسْوَاقِ مَنْ نَنْتَفِعُ بِهِ، فَتُرِكُوا، وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْقَتْلَى مِنَ الْبَلَدِ، فَأَخْرَجُوهُمْ، وَبَنَى بِالْقَصْرِ جَامِعًا كَبِيرًا، وَزَخْرَفَهُ فَأَحْسَنَ عَمَلَهُ، وَأَمَرَ بِهَدْمِ الْجَامِعِ الَّذِي بَنَاهُ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ يُوسُفُ بْنُ تَاشَفِينَ.

وَلَقَدْ أَسَاءَ يُوسُفُ بْنُ تَاشَفِينَ فِي فِعْلِهِ بِالْمُعْتَمِدِ بْنِ عَبَّادٍ، وَارْتَكَبَ بِسَجْنِهِ عَلَى الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ أَقْبَحَ مَرْكَبٍ، فَلَا جَرَمَ سَلَّطَ اللَّهُ [عَلَيْهِ فِي عِقَابِهِ] مَنْ أَرْبَى فِي الْأَخْذِ عَلَيْهِ وَزَادَ، فَتَبَارَكَ الْحَيُّ الدَّائِمُ الْمَلِكُ، الَّذِي لَا يَزُولُ مُلْكُهُ، وَهَذِهِ سُنَّةُ الدُّنْيَا، فَأُفٍّ لَهَا، ثُمَّ أُفٍّ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَخْتِمَ أَعْمَالَنَا بِالْحُسْنَى، وَيَجْعَلَ خَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاهُ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015