فَاتَّفَقَ رَأْيُ أَهْلِ الْكَرْخِ عَلَى تَرْكِ مُعَارَضَتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَهُمْ، فَصَارَتِ السُّنَّةُ تُسَيِّرُ أَهْلَ كُلِّ مَحَلَّةٍ مُنْفَرِدِينَ، وَمَعَهُمْ مِنَ الزِّينَةِ وَالسِّلَاحِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَجَاءَ أَهْلُ بَابِ الْمَرَاتِبِ، وَمَعَهُمْ فِيلٌ قَدْ عُمِلَ مِنْ خَشَبٍ، وَعَلَيْهِ الرِّجَالُ بِالسِّلَاحِ، وَقَصَدُوا جَمِيعُهُمُ الْكَرْخَ لِيَعْبُرُوا فِيهِ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ أَهْلُهُ بِالْبَخُورِ وَالطِّيبِ وَالْمَاءِ الْمُبَرَّدِ، وَالسِّلَاحِ الْكَثِيرِ، وَأَظْهَرُوا بِهِمُ السُّرُورَ وَشَيَّعُوهُمْ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الْمَحَلَّةِ.
وَخَرَجَ الشِّيعَةُ، لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْهُ، إِلَى مَشْهَدِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَعْتَرِضْهُمْ أَحَدٌ مِنَ السُّنَّةِ، فَعَجِبَ النَّاسُ لِذَلِكَ، وَلَمَّا عَادُوا مِنْ زِيَارَةِ مُصْعَبٍ لَقِيَهُمْ أَهْلُ الْكَرْخِ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، فَاتَّفَقَ أَنَّ أَهْلَ بَابِ الْمَرَاتِبِ انْكَسَرَ فِيلُهُمُ عِنْدَ قَنْطَرَةِ بَابِ حَرْبٍ، فَقَرَأَ لَهُمْ قَوْمٌ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَادَ مَنْصُورُ بْنُ صَدَقَةَ بْنِ مَزْيَدٍ إِلَى بَابِ السُّلْطَانِ، فَتَقَبَّلَهُ وَأَكْرَمَهُ، وَكَانَ قَدْ هَرَبَ، بَعْدَ قَتْلِ وَالِدِهِ، إِلَى الْآنِ، وَالْتَحَقَ أَخُوهُ بَدْرَانُ بْنُ صَدَقَةَ بِالْأَمِيرِ مَوْدُودٍ الَّذِي أَقْطَعُهُ السُّلْطَانُ الْمَوْصِلَ، فَأَكْرَمَهُ، وَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُ.
وَفِيهَا، فِي نِيسَانَ، زَادَتْ دِجْلَةُ زِيَادَةً عَظِيمَةً، وَتَقَطَّعَتِ الطُّرُقُ، وَغَرِقَتِ الْغَلَّاتُ الشِّتْوِيَّةُ وَالصَّيْفِيَّةُ، وَحَدَثَ غَلَاءٌ عَظِيمٌ بِالْعِرَاقِ، بَلَغَتْ كَارَةُ الدَّقِيقِ الْخُشْكَارِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ إِمَامِيَّةٍ، وَعُدِمَ الْخُبْزُ رَأْسًا، وَأَكَلَ النَّاسُ التَّمْرَ وَالْبَاقِلَّاءَ الْخَضْرَاءَ، وَأَمَّا أَهْلُ السَّوَادِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَأْكُلُوا جَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَنِصْفَ شَوَّالٍ، سِوَى الْحَشِيشِ وَالتُّوتِ.
وَفِيهَا، فِي رَجَبٍ، عُزِلَ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ أَبُو الْمَعَالِي هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْمُطَّلِبِ، وَوَزَرَ لَهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ جَهِيرٍ.
وَفِيهَا، فِي شَعْبَانَ، تَزَوَّجَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَظْهِرُ بِاللَّهِ ابْنَةَ السُّلْطَانِ مُلْكِشَاهْ، وَهِيَ أُخْتُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ الَّذِي خَطَبَ النِّكَاحَ الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ صَاعِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، الْحَنَفِيُّ، وَكَانَ الْمُتَوَلِّي لِقَبُولِ الْعَقْدِ نِظَامُ الْمُلْكِ أَحْمَدُ بْنُ نِظَامِ الْمُلْكِ،