ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ صَدَقَةَ عَلَى وَاسِطَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَوَّالٍ، انْحَدَرَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ صَدَقَةُ بْنُ مَزْيَدٍ مِنَ الْحِلَّةِ إِلَى وَاسِطَ فِي عَسْكَرٍ كَثِيرٍ، وَأَمَرَ فَنُودِيَ بِهَا فِي الْأَتْرَاكِ: مَنْ أَقَامَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، فَسَارَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِلَى بَرْكِيَارُقَ، وَجَمَاعَةٌ إِلَى بَغْدَاذَ، وَصَارَ مَعَ صَدَقَةَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُ أَحْضَرَ مُهَذَّبَ الدَّوْلَةِ بْنَ أَبِي الْجَبْرِ، صَاحِبَ الْبَطِيحَةِ، فَضَمَّنَهُ الْبَلَدَ لِمُدَّةٍ، آخِرُهَا آخِرُ السَّنَةِ، بِخَمْسِينَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَعَادَ إِلَى الْحِلَّةِ، فَأَقَامَ مُهَذَّبُ الدَّوْلَةِ بِوَاسِطَ إِلَى سَادِسِ ذِي الْقَعْدَةِ، وَانْحَدَرَ إِلَى بَلَدِهِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، أُطْلِقَ سَدِيدُ الْمُلْكِ أَبُو الْمَعَالِي مِنَ الِاعْتِقَالِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ وَزِيرَ الْخَلِيفَةِ، وَلَمَّا أُطْلِقَ هَرَبَ إِلَى الْحِلَّةِ السَّيْفِيَّةِ، وَمِنْهَا إِلَى السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، فَوَلَّاهُ الْإِشْرَافَ عَلَى مَمَالِكِهِ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ أَمِينُ الدَّوْلَةِ أَبُو سَعْدٍ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمُوصَلَايَا، فَجْأَةً، وَكَانَ قَدْ أُضِرَّ، وَكَانَ بَلِيغًا فَصِيحًا، وَكَانَ ابْتِدَاءُ خِدْمَتِهِ لِلْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، خَدَمَ الْخُلَفَاءَ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، كُلُّ يَوْمٍ تَزْدَادُ مَنْزِلَتُهُ، حَتَّى تَابَ عَنِ الْوِزَارَةِ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ، جَمِيلَ الْمَحْضَرِ، صَالِحَ النِّيَّةِ، وَوَقَفَ أَمْلَاكَهُ عَلَى أَبْوَابِ الْبِرِّ، وَمُكَاتَبَاتُهُ مَشْهُورَةٌ حَسَنَةٌ، وَلَمَّا مَاتَ خَلَعَ عَلَى ابنِ أُخْتِهِ أَبِي نَصْرٍ، وَلُقِّبَ " نِظَامَ الْحَضْرَتَيْنِ "، وَقُلِّدَ دِيوَانَ الْإِنْشَاءِ.
وَفِيهَا كَانَتْ ببَغْدَاذَ بَيْنَ الْعَامَّةِ فِتَنٌ كَثِيرَةٌ، وَانْتَشَرَ الْعَيَّارُونَ.
وَفِيهَا قُتِلَ أَبُو نُعَيْمِ بْنُ سَاوَةَ الطَّبِيبُ الْوَاسِطِيُّ، وَكَانَ مِنَ الْحُذَّاقِ فِي الطِّبِّ، وَلَهُ فِيهَا إِصَابَاتٌ حَسَنَةٌ.