سِيَّانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَلْبَ التُّرْكُمَانِيَّ، صَاحِبَ أَنْطَاكِيَّةَ، ثُمَّ صَالَحَهُمْ، وَأَشَارَ عَلَى الْمَلِكِ رِضْوَانٍ بِقَصْدِ دِيَارِ بَكْرٍ، لِخُلُوِّهَا مِنْ وَالٍ يَحْفَظُهَا، فَسَارُوا جَمِيعًا، وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ أُمَرَاءُ الْأَطْرَافِ الَّذِينَ كَانَ تُتُشْ رَتَّبَهُمْ فِيهَا، وَقَصَدُوا سَرُوجَ فَسَبَقَهُمْ إِلَيْهَا الْأَمِيرُ سُقْمَانُ بْنُ أُرْتُقَ جَدُّ أَصْحَابِ الْحِصْنِ الْيَوْمَ، وَأَخَذَهَا، وَمَنَعَهُمْ عَنْهَا، وَأَمَرَ أَهْلَ الْبَلَدِ فَخَرَجُوا إِلَى رِضْوَانَ، وَتَظَلَّمُوا إِلَيْهِ مِنْ عَسَاكِرِهِ، وَمَا يُفْسِدُونَ مِنْ غَلَّاتِهِمْ، وَيَسْأَلُونَهُ الرَّحِيلَ، فَرَحَلَ عَنْهُمْ إِلَى الرُّهَا.
وَكَانَ بِهَا رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ يُقَالُ لَهُ الْفَارَقْلِيطُ، وَكَانَ يَضْمَنُ الْبَلَدَ مِنْ بُوزَانَ، فَقَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْ مَعَهُ، وَاحْتَمَى بِالْقَلْعَةِ، وَشَاهَدُوا مِنْ شَجَاعَتِهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَظُنُّونَهُ، ثُمَّ مَلَكَهَا رِضْوَانُ، وَطَلَبَ يَاغِي سِيَانَ الْقَلْعَةَ مِنْ رُضْوَانَ، فَوَهَبَهَا لَهُ، فَتَسَلَّمَهَا وَحَصَّنَهَا، وَرَتَّبَ رِجَالَهَا، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ حَرَّانَ يَطْلُبُونَهُمْ لِيُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ حَرَّانَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ قَرَاجَةُ أَمِيرُهَا، فَاتَّهَمَ ابْنَ الْمُفْتِي، وَكَانَ ابْنُ الْمُفْتِي هَذَا قَدِ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ تُتُشْ فِي حِفْظِ الْبَلَدِ، فَأَخَذَهُ، وَأَخَذَ مَعَهُ بَنِي أَخِيهِ، فَصَلَبَهُمْ.
وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى رِضْوَانَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ جَنَاحُ الدَّوْلَةِ، وَيَاغِي سِيَانَ، وَأَضْمَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْغَدْرَ بِصَاحِبِهِ، فَهَرَبَ جَنَاحُ الدَّوْلَةِ إِلَى حَلَبَ، فَدَخَلَهَا، وَاجْتَمَعَ بِزَوْجَتِهِ أُمِّ الْمَلِكِ رِضْوَانَ، وَسَارَ رِضْوَانٌ، وَيَاغِي سِيَانَ، فَعَبَرَا الْفُرَاتَ إِلَى حَلَبَ، فَسَمِعَا بِدُخُولِ جَنَاحِ الدَّوْلَةِ إِلَيْهَا، فَفَارَقَ يَاغِي سِيَانَ الْمَلِكَ رِضْوَانَ، وَسَارَ إِلَى أَنْطَاكِيَّةَ، وَمَعَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْخَوَارِزْمِيُّ، وَسَارَ رِضْوَانُ إِلَى حَلَبَ.
وَأَمَّا دُقَاقُ بْنُ تُتُشْ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ سَيَّرَهُ أَبُوهُ إِلَى عَمِّهِ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاهْ بِبَغْدَاذَ، وَخَطَبَ لَهُ ابْنَةَ السُّلْطَانِ، وَسَارَ بَعْدَ وَفَاةِ السُّلْطَانِ مَعَ خَاتُونَ الْجَلَالِيَّةِ وَابْنِهَا مَحْمُودٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَخَرَجَ إِلَى السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ سِرًّا، وَصَارَ مَعَهُ، ثُمَّ لَحِقَ بِأَبِيهِ، وَحَضَرَ مَعَهُ الْوَقْعَةَ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا.