فَأَكَلَ مِنْهُ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ قَهْرَمَانَتُهُ شَمْسُ النَّهَارِ، فَقَالَ لَهَا: مَا هَذِهِ الْأَشْخَاصُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيَّ بِغَيْرِ إِذْنٍ؟ قَالَتْ: فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَرَأَيْتُهُ قَدْ تَغَيَّرَتْ حَالَتُهُ، وَاسْتَرْخَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَانْحَلَّتْ قُوَّتُهُ، وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ، فَظَنَنْتُهَا غَشْيَةً قَدْ لَحِقَتْهُ، فَحَلَلْتُ أَزْرَارَ ثَوْبِهِ، فَوَجَدْتُهُ وَقَدْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ أَمَارَاتُ الْمَوْتِ، وَمَاتَ لِوَقْتِهِ، قَالَتْ: فَتَمَاسَكْتُ، وَقُلْتُ لِجَارِيَةٍ عِنْدِي: لَيْسَ هَذَا وَقْتَ إِظْهَارِ الْجَزَعِ وَالْبُكَاءِ، فَإِنْ صِحْتِ قَتَلْتُكِ، وَأَحْضَرْتُ الْوَزِيرَ فَأَعْلَمْتُهُ الْحَالَ، فَشَرَعُوا فِي الْبَيْعَةِ لِوَلِيِّ الْعَهْدِ، وَجَهَّزُوا الْمُقْتَدِيَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الْمُسْتَظْهِرُ بِاللَّهِ، وَدَفَنُوهُ.
وَكَانَ عُمُرُهُ ثَمَانِيًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ غَيْرَ يَوْمَيْنِ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدِ أَرْمَنِيَّةٌ تُسَمَّى أُرْجُوَانَ، وَتُدْعَى قُرَّةَ الْعَيْنِ، أَدْرَكَتْ خِلَافَتَهُ، وَخِلَافَةَ ابْنِهِ الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ، وَخِلَافَةَ ابْنِ ابْنِهِ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ.
وَوَزَرَ لَهُ فَخْرُ الدَّوْلَةِ أَبُو نَصْرِ بْنُ جَهِيرٍ، ثُمَّ أَبُو شُجَاعٍ، ثُمَّ عَمِيدُ الدَّوْلَةِ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ جَهِيرٍ.
وَقُضَاتُهُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدَّامَغَانِيُّ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ الشَّامِيُّ.
وَكَانَتْ أَيَّامُهُ كَثِيرَةَ الْخَيْرِ، وَاسِعَةَ الرِّزْقِ، وَعَظُمَتِ الْخِلَافَةُ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ مِنْ قَبْلِهِ، وَانْعَمَرَتْ بِبَغْدَاذَ عِدَّةُ مَحَالٍّ فِي خِلَافَتِهِ مِنْهَا: الْبَصَلِيَّةُ، وَالْقَطِيعَةُ، وَالْحُلْبَةُ، وَالْمُقْتَدِّيَةُ، وَالْأَجَمَةُ، وَدَرْبُ الْقِيَارِ، وَخَرِبَةُ ابْنِ جَرْدَةَ، وَخَرِبَةُ الْهَرَّاسِ، وَالْخَاتُونِيَّتَيْنِ.