فَقَالَ أَبُو الْمَحَاسِنِ لِلسُّلْطَانِ: سَلِّمْ إِلَيَّ نِظَامَ الْمُلْكِ وَأَصْحَابَهُ، وَأَنَا أُسَلِّمُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ أَلْفَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَإِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْأَمْوَالَ، وَيَقْتَطِعُونَ الْأَعْمَالَ، وَعَظَّمَ عِنْدَهُ ذَخَائِرَهُمْ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ نِظَامَ الْمُلْكِ، فَعَمِلَ سِمَاطًا عَظِيمًا، وَأَقَامَ عَلَيْهِ مَمَالِيكَهُ، وَهُمْ أُلُوفٌ مِنَ الْأَتْرَاكِ، وَأَقَامَ خَيْلَهُمْ وَسِلَاحَهُمْ عَلَى حِيَالِهِمْ، فَلَمَّا حَضَرَ السُّلْطَانُ قَالَ لَهُ: إِنَّنِي قَدْ خَدَمْتُكَ، وَخَدَمْتُ أَبَاكَ وَجَدَّكَ، وَلِي حَقُّ خِدْمَةٍ، وَقَدْ بَلَغَكَ أَخْذِي لِعُشْرِ أَمْوَالِكَ، وَصَدَقَ هَذَا، أَنَا آخُذُهُ وَأَصْرِفُهُ إِلَى هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانِ الَّذِينَ جَمَعْتُهُمْ لَكَ، وَأَصْرِفُهُ أَيْضًا إِلَى الصَّدَقَاتِ، وَالصِّلَاتِ، وَالْوُقُوفِ الَّتِي أَعْظَمُ ذِكْرِهَا وَشُكْرِهَا وَأَجْرِهَا لَكَ، وَأَمْوَالِي وَجَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأَنَا أَقْنَعُ بِمُرَقَّعَةٍ وَزَاوِيَةٍ. فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِالْقَبْضِ عَلَى أَبِي الْمَحَاسِنِ وَأَنْ تُسْمَلَ عَيْنَاهُ، وَأَنْفَذَهُ إِلَى قَلْعَةِ سَاوَةَ.
وَسَمِعَ أَبُوهُ كَمَالُ الْمُلْكِ الْخَبَرَ، فَاسْتَجَارَ بِدَارِ نِظَامِ الْمُلْكِ، فَسَلِمَ، وَبَذَلَ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ وَعُزِلَ عَنِ الطُّغْرَاءِ، وَرَتَّبَ مَكَانَهُ مُؤَيَّدَ الْمُلْكِ بْنَ نِظَامِ الْمُلْكِ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ مَالِكِ بْنِ عَلَوِيٍّ عَلَى الْقَيْرَوَانِ وَأَخْذِهَا مِنْهُ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ جَمَعَ مَالِكُ بْنُ عَلَوِيٍّ الصَّخْرِيُّ الْعَرَبَ فَأَكْثَرَ، وَسَارَ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ فَحَصَرَهَا، فَقَامَ الْأَمِيرُ تَمِيمُ بْنُ الْمُعِزِّ قِيَامًا تَامًّا، وَرَحَلَّهُ عَنْهَا، وَلَمْ يَظْفَرْ مِنْهَا بِشَيْءٍ، فَسَارَ مَالِكٌ مِنْهَا إِلَى الْقَيْرَوَانِ فَحَصَرَهَا وَمَلَكَهَا، فَجَرَّدَ إِلَيْهِ تَمِيمٌ الْعَسَاكِرَ الْعَظِيمَةَ، فَحَصَرُوهُ بِهَا، فَلَمَّا رَأَى مَالِكٌ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِتَمِيمٍ خَرَجَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا عَسْكَرُ تَمِيمٍ وَعَادَتْ إِلَى مُلْكِهِ كَمَا كَانَتْ.