وَلَمَّا اسْتَبَدَّ بِالْمُلْكِ بَعْدَ أَبِيهِ سَلَكَ طَرِيقَهُ فِي حُسْنِ السِّيرَةِ، وَمَحَبَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ أَصْحَابُ الْبِلَادِ قَدْ طَمِعُوا بِسَبَبِ الْعَرَبِ، وَزَالَتِ الْهَيْبَةُ وَالطَّاعَةُ عَنْهُمْ فِي أَيَّامِ الْمُعِزِّ، فَلَمَّا مَاتَ ازْدَادَ طَمَعُهُمْ، وَأَظْهَرَ كَثِيرٌ مِنْهُمُ الْخِلَافَ، فَمِمَّنْ أَظْهَرَ الْخِلَافَ الْقَائِدُ حَمُّو بْنُ مَلِيكٍ، صَاحِبُ سَفَاقُسَ، وَاسْتَعَانَ بِالْعَرَبِ، وَقَصَدَ الْمَهْدِيَّةَ لِيُحَاصِرَهَا، فَخَرَجَ إِلَيْهِ تَمِيمٌ وَصَافَّهُ، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ حَمُّو وَأَصْحَابُهُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ، وَمَضَى حَمُّو وَنَجَا بِنَفْسِهِ، وَتَفَرَّقَتْ خَيْلُهُ وَرِجَالُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] .
(وَسَارَ تَمِيمٌ) إِلَى سُوسَةَ، وَكَانَ أَهْلُهَا قَدْ خَافُوا أَبَاهُ الْمُعِزَّ وَعَصَوْا عَلَيْهِ، فَمَلَكَهَا وَعَفَا عَنْ أَهْلِهَا.
ذِكْرُ وَفَاةِ قُرَيْشٍ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ وَإِمَارَةِ ابْنِهِ شَرَفِ الدَّوْلَةِ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ قُرَيْشُ بْنُ بَدْرَانَ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ وَنَصِيبِينَ، أَصَابَهُ خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ فِيهِ وَأَنْفِهِ وَعَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ، فَحَمَلَهُ ابْنُهُ شَرَفُ الدَّوْلَةِ إِلَى نَصِيبِينَ، حَتَّى حَفِظَ خِزَانَتَهُ بِهَا، وَتُوُفِّيَ هُنَاكَ.
وَسَمِعَ فَخْرُ الدَّوْلَةِ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَهِيرٍ حَالَهُ، فَسَارَ مِنْ دَارَا إِلَى نَصِيبِينَ، وَجَمَعَ بَنِي عَقِيلٍ عَلَى أَنْ يُؤَمِّرُوا ابْنَهُ أَبَا الْمَكَارِمِ مُسْلِمَ بْنَ قُرَيْشٍ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ الْقَائِمُ بِأَمْرِهِ جَابِرُ بْنُ نَاشِبٍ، فَزَوَّجَهُ فَخْرُ الدَّوْلَةِ بِأُخْتِ مُسْلِمٍ، وَزَوَّجَ مُسْلِمًا بِابْنَةِ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ.
ذِكْرُ وَفَاةِ نَصْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ مَرْوَانَ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ نَصْرُ الدَّوْلَةِ أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الْكُرْدِيُّ، صَاحِبُ دِيَارِ بَكْرٍ، وَلَقَبُهُ الْقَادِرُ بِاللَّهِ نَصْرُ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ عُمْرُهُ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَإِمَارَتُهُ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ