ضَعْفُ الْكَبِدِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ سَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ عُمْرُهُ لَمَّا مَلَكَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ ثَمَانِي سِنِينَ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ.
وَكَانَ رَقِيقَ الْقَلْبِ، خَاشِعًا، مُتَجَنِّبًا لِسَفْكِ الدِّمَاءِ إِلَّا فِي حَدٍّ، حَلِيمًا، يَتَجَاوَزُ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، (حَسَنَ الصُّحْبَةِ مَعَ عَبِيدِهِ وَأَصْحَابِهِ، مُكْرِمًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ، كَثِيرَ الْعَطَاءِ لَهُمْ) ، كَرِيمًا، وَهَبَ مَرَّةً مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ لِلْمُسْتَنْصِرِ الزَّنَاتِيِّ وَكَانَ عِنْدَهُ وَقَدْ جَاءَهُ هَذَا الْمَالُ، فَاسْتَكْثَرَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُفْرِغَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ أَمَرْتَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ أَوْعِيَتِهِ؟ قَالَ: لِئَلَّا يُقَالُ لَوْ رَآهُ مَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ، وَكَانَ لَهُ شِعْرٌ حَسَنٌ.
وَلَمَّا مَاتَ رَثَاهُ الشُّعَرَاءُ، فَمِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ رَشِيقٍ فَقَالَ:
لَكُلُّ حَيٍّ وَإِنْ طَالَ الْمَدَى هُلُكُ ... لَا عِزُّ مَمْلَكَةٍ يَبْقَى، وَلَا مُلْكُ
وَلَّى الْمُعِزُّ عَلَى أَعْقَابِهِ فَرَمَى ... أَوْ كَادَ يَنْهَدُ مِنْ أَرْكَانِهِ الْفَلَكُ
مَضَى فَقِيدًا، وَأَبْقَى فِي خَزَائِنِهِ ... هَامَ الْمُلُوكِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا مَلَكُوا
مَا كَانَ إِلَّا حُسَامًا سَلَّهُ قَدَرٌ ... عَلَى الَّذِينَ بَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَانْهَمَكُوا
كَأَنَّهُ لَمْ يَخُضْ لِلْمَوْتِ بَحْرَ وَغًى ... ، خُضْرِ الْبِحَارِ، إِذَا قِيسَتْ بِهِ، بِرَكُ
وَلَمْ يَجُدْ بِقَنَاطِيرَ مُقَنْطَرَةٍ ... قَدْ أَرَّخَتْ بِاسْمِهِ إِبْرِيزَهَا السِّكَكُ
رُوحُ الْمُعِزِّ وَرُوحُ الشَّمْسِ قَدْ قُبِضَا ... فَانْظُرْ بِأَيِّ ضِيَاءٍ يَصْعَدُ الْفَلَكُ
وَلَمَّا تُوُفِّيَ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ تَمِيمٌ، وَكَانَ مَوْلِدُ تَمِيمٍ بِالْمَنْصُورِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَقَرُّهُ، مُنْتَصَفَ رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَوَلَّاهُ الْمَهْدِيَّةَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ وَافَاهُ أَبُو الْمُعِزِّ، لَمَّا انْتَزَحَ عَنِ الْقَيْرَوَانِ مِنَ الْعَرَبِ، وَقَامَ بِخِدْمَةِ أَبِيهِ، وَأَظْهَرَ مِنْ طَاعَتِهِ وَبِرِّهِ مَا بَانَ بِهِ كَذِبُ مَا كَانَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ.