وَسَارَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِلَى أَبِي الْفَتْحِ بْنِ وَرَّامٍ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ خَوْفًا مِنْهُمْ، وَتَرَكَ حُلَلَهُ بِحَالِهَا، وَقَصَدَ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِنَهْبِ حُلَلِهِ فَيَعُودَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُعَرِّجُوا عَلَى النَّهْبِ وَتَبِعُوهُ، فَلِشِدَّةِ خَوْفِهِ أَنْ يَظْفَرُوا بِهِ وَيَأْخُذُوهُ قَاتَلَهُمْ، فَظَفِرَ بِهِمْ، وَقَتَلَ وَأَسَرَ جَمَاعَةً مِنْهُمْ، وَغَنِمَ مَا مَعَهُمْ، وَرَجَعَ الْبَاقُونَ، وَأَرْسَلَ إِلَى بَغْدَاذَ يَطْلُبُ نَجْدَةً خَوْفًا مِنْ عَوْدِهِمْ، فَلَمْ يُنْجِدُوهُ لِعَدَمِ الْهَيْبَةِ وَقِلَّةِ إِمْسَاكِ الْأَمْرِ، فَعَبَرَ بَنُو وَرَّامٍ دِجْلَةَ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ.
ثُمَّ إِنَّ الْغُزَّ أَسَرُّوا إِلَى سَعْدِي بْنِ أَبِي الشَّوْكِ فِي رَجَبٍ وَهُوَ نَازِلٌ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ بَاجِسْرَى، وَكَبَسُوهُ فَانْهَزَمَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ لَا يَلْوِي الْآخَرُ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا الْوَالِدُ عَلَى وَلَدِهِ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَغَنِمَ الْغُزُّ أَمْوَالَهُمْ، وَنَهَبُوا تِلْكَ الْأَعْمَالَ، وَكَانَ سَعْدِي قَدْ أَنْزَلَ مَالًا مِنْ قَلْعَةِ السِّيرَوَانِ، فَوَصَلَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَغَنِمَهُ الْغُزُّ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُ سَلِمَ مَعَهُ، وَنَجَا سَعْدِي مِنَ الْوَقْعَةِ بِجُرَيْعَةِ الذَّقَنِ، وَنَهَبَ الْغُزُّ الدَّسْكَرَةَ، وَبَاجِسْرَى، وَالْهَارُونِيَّةَ، وَقَصْرَ سَابُورَ، وَجَمِيعَ تِلْكَ الْأَعْمَالِ.
وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى بَغْدَاذَ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ عَازِمٌ عَلَى قَصْدِ بَغْدَاذَ، فَارْتَاعَ النَّاسُ، وَاجْتَمَعَ الْأُمَرَاءُ وَالْقُوَّادُ إِلَى الْأَمِيرِ أَبِي مَنْصُورٍ ابْنِ الْمَلِكِ أَبِي كَالِيجَارَ لِيَجْتَمِعُوا وَيَسِيرُوا إِلَيْهِ وَيَمْنَعُوهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَخْرُجْ غَيْرُ خِيَمِ الْأَمِيرِ أَبِي مَنْصُورٍ وَالْوَزِيرِ وَنَفَرٍ يَسِيرٍ، وَتَخَلَّفَ الْبَاقُونَ، وَهَلَكَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ النَّوَاحِي الْمَنْهُوبَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ غَرِقَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَتَلَهُ الْبَرْدُ.
وَوَصَلَ سَعْدِي إِلَى دَيَالَى، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى أَبِي الْأَغَرِّ دُبَيْسِ بْنِ مَزْيَدٍ فَأَقَامَ عِنْدَه ُ. ثُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ سَارَ إِلَى السِّيرَوَانِ، فَحَصَرَ الْقَلْعَةَ، وَضَيَّقَ عَلَى مَنْ بِهَا، وَأَرْسَلَ سَرِيةً نَهَبَتِ الْبِلَادَ، وَانْتَهَتْ إِلَى مَكَانٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَكْرِيتَ عَشَرَةُ فَرَاسِخَ، وَدَخَلَ بَغْدَاذَ مِنْ أَهْلِ طَرِيقِ خُرَاسَانَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَذَكَرُوا مِنْ حَالِهِمْ مَا أَبْكَى الْعُيُونَ، ثُمَّ سَلَّمَهَا إِلَيْهِ مُسْتَحْفِظُهَا، بَعْدَ أَنْ أَمَّنَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَأَخَذَ مِنْهَا يَنَّالُ مِنْ بَقَايَا مَا خَلَّفَهُ سَعْدِي شَيْئًا كَثِيرًا، وَلَمَّا فَتَحَهَا اسْتَخْلَفَ فِيهَا مُقَدَّمًا كَبِيرًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ