بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
432 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ
ذِكْرُ ابْتِدَاءِ الدَّوْلَةِ السَّلْجُوقِيَّةِ وَسِيَاقَةُ أَخْبَارِهِمْ مُتَتَابِعَةً
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَدَّ مُلْكُ السُّلْطَانِ طُغْرُلْبَك مُحَمَّدٍ وَأَخِيهِ جَغْرِي بِكْ دَاوُدَ ابْنَيْ مِيكَائِيلَ بْنِ سَلْجُوقَ بْنِ تَقَّاقٍ، فَنَذْكُرُ أَوَّلًا حَالَ آبَائِهِ، ثُمَّ نَذْكُرُ حَالَهُ كَيْفَ تَنَقَّلَتْ حَتَّى صَارَ سُلْطَانًا، عَلَى أَنَّنِي قَدْ ذَكَرْتُ أَكْثَرَ أَخْبَارِهِمْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى السِّنِينَ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهَا هَاهُنَا مَجْمُوعَةً لِتَرِدَ سِيَاقًا وَاحِدًا، فَهِيَ أَحْسَنُ، فَأَقُولُ: فَأَمَّا تَقَّاقٌ فَمَعْنَاهُ الْقَوْسُ الْجَدِيدُ، وَكَانَ شَهْمًا ذَا رَأْيٍ وَتَدْبِيرٍ، وَكَانَ مُقَدَّمَ الْأَتْرَاكِ الْغُزِّ، وَمَرْجِعُهُمْ إِلَيْهِ، لَا يُخَالِفُونَ لَهُ قَوْلًا، وَلَا يَتَعَدَّوْنَ أَمْرًا.
فَاتَّفَقَ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ أَنَّ مَلِكَ التُّرْكِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بَيْغُو جَمَعَ عَسَاكِرَهُ، وَأَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَنَهَاهُ تَقَّاقٌ عَنْ ذَلِكَ، وَطَالَ الْخِطَابُ بَيْنَهُمَا فِيهِ، فَأَغْلَظَ لَهُ مَلِكُ التُّرْكِ الْكَلَامَ، فَلَطَمَهُ تَقَّاقٌ فَشَجَّ رَأْسَهُ، فَأَحَاطَ بِهِ خَدَمُ مَلِكِ التُّرْكِ، وَأَرَادُوا أَخْذَهُ، فَمَانَعَهُمْ وَقَاتَلَهُمْ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ مَنَعَهُ، فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ، ثُمَّ صَلُحَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا، وَأَقَامَ تَقَّاقٌ عِنْدَهُ، وَوُلِدَ لَهُ سَلْجُوقُ.
وَأَمَّا سَلْجُوقُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَبِرَ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ أَمَارَاتُ النَّجَابَةِ وَمَخَايِلُ التَّقَدُّمِ، فَقَرَّبَهُ