وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ عِمْرَانَ قَدْ سَارَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ إِلَى أَصْبَهَانَ طَامِعًا فِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، وَعَلَى مَالِ عَلَاءِ الدَّوْلَةِ وَأَهْلِهِ، فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ أَهْلُهَا وَالْعَسْكَرُ الَّذِي فِيهَا، فَعَادَ عَنْهَا، فَلَقِيَهُ عَلَاءُ الدَّوْلَةِ وَفَرْهَاذُ، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ مِنْهُمَا، وَأَخَذَا مَا مَعَهُ مِنَ الْأَسْرَى، إِلَّا أَبَا مَنْصُورٍ ابْنَ أَخِي عَلَاءِ الدَّوْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ سَيَّرَهُ إِلَى تَاشَ فَرَّاشَ، وَسَارَ عَلِيٌّ مِنَ الْمَعْرَكَةِ مُنْهَزِمًا نَحْوَ تَاشَ فَرَّاشَ، فَلَقِيَهُ بِكَرَجَ فَعَاتَبَهُ عَلَى تَأَخُّرِهِ عَنْهُ، وَاتَّفَقَا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى عَلَاءِ الدَّوْلَةِ وَفَرْهَاذَ، وَكَانَ قَدْ نَزَلَ بِجَبَلٍ عِنْدَ بَرُوجِرْدَ مُتَحَصِّنًا فِيهِ، فَافْتَرَقَ تَاشُ وَعَلِيٌّ (وَقَصَدَاهُ مِنْ) جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا مِنْ خَلْفِهِ، وَالْأُخْرَى مِنَ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، فَلَمْ يَشْعُرْ إِلَّا وَقَدْ خَالَطَهُ الْعَسْكَرُ فَانْهَزَمَ عَلَاءُ الدَّوْلَةِ وَفَرْهَاذُ، وَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْ رِجَالِهِمَا. فَمَضَى عَلَاءُ الدَّوْلَةِ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَصَعِدَ فَرْهَاذُ إِلَى قَلْعَةِ سَلِيمُوهْ فَتَحَصَّنَ بِهَا.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ قَدْرُ خَانَ مَلِكُ التُّرْكِ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ.
وَفِيهَا وَرَدَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُنْكَدِرِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ رَسُولًا مِنْ مَسْعُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ إِلَى الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ مُعَزِّيًا لَهُ بِالْقَادِرِ بِاللَّهِ.
وَفِيهَا نُقِلَ تَابُوتُ الْقَادِرِ بِاللَّهِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ بِالرُّصَافَةِ، وَشَهِدَهُ الْخَلْقُ الْعَظِيمُ، وَحُجَّاجُ خُرَاسَانَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.
وَفِيهَا كَانَ بِالْبِلَادِ غَلَاءٌ شَدِيدٌ، وَاسْتَسْقَى النَّاسُ فَلَمْ يُسْقَوْا، وَتَبِعَهُ وَبَاءٌ عَظِيمٌ، وَكَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ بِالْعِرَاقِ، وَالْمَوْصِلِ، وَالشَّامِ، وَبَلَدِ الْجَبَلِ، وَخُرَاسَانَ، وَغَزْنَةَ، وَالْهِنْدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَثُرَ الْمَوْتُ، فَدُفِنَ فِي أَصْبَهَانَ، فِي عِدَّةِ أَيَّامٍ، أَرْبَعُونَ أَلْفَ مَيِّتٍ وَكَثُرَ الْجُدَرِيُّ فِي النَّاسِ فَأُحْصِيَ بِالْمَوْصِلِ أَنَّهُ مَاتَ بِهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ صَبِيٍّ، وَلَمْ تَخْلُ دَارٌ مِنْ مُصِيبَةٍ لِعُمُومِ الْمَصَائِبِ، وَكَثْرَةِ الْمَوْتِ، وَمِمَّنْ جُدِرَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَسَلِمَ.