وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا خَافَ عَلَى الْبَلَدِ بِامْتِنَاعِهِ أَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَانْفَرَدَ بِالتَّدْبِيرِ وَحِفْظِ الْبَلَدِ.

فَلَمَّا رَأَى الْقَاسِمُ ذَلِكَ سَارَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ، ثُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ بِشَرِيشَ، فَزَحَفَ إِلَيْهِ يَحْيَى ابْنُ أَخِيهِ عَلِيٍّ، وَمَعَهُ جَمْعٌ مِنَ الْبَرْبَرِ فَحَصَرُوهُ ثُمَّ أَخَذُوهُ أَسِيرًا، فَحَبَسَهُ يَحْيَى فَبَقِيَ فِي حَبْسِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ يَحْيَى وَمَلَكَ أَخُوهُ إِدْرِيسُ، فَلَمَّا مَلَكَ قَتَلَهُ، وَقِيلَ: بَلْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَحُمِلَ إِلَى ابْنِهِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ بِالْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ فَدَفَنَهُ.

وَكَانَتْ مُدَّةُ وِلَايَةِ الْقَاسِمِ بِقُرْطُبَةَ، مُذْ تَسَمَّى بِالْخِلَافَةِ إِلَى أَنْ أَسَرَهُ ابْنُ أَخِيهِ، سِتَّةَ أَعْوَامٍ، وَبَقِيَ مَحْبُوسًا سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَى أَنْ قُتِلَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ لَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَلَهُ مِنَ الْوَلَدِ مُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ، وَأُمُّهُمَا أَمِيرَةُ بِنْتُ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْرُوفِ بِقَتُّونَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ أَسْمَرَ، أَعْيَنَ، أَكْحَلَ، مُصْفَرَّ اللَّوْنِ، طَوِيلًا، خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ.

ذِكْرُ عَوْدِ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَى قُرْطُبَةَ وَوِلَايَةِ الْمُسْتَظْهِرِ

لَمَّا انْهَزَمَ الْبَرْبَرُ وَالْقَاسِمُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ أَهْلِ قُرْطُبَةَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، اتَّفَقَ رَأْيُ أَهْلِ قُرْطُبَةَ عَلَى رَدِّ بَنِي أُمَيَّةَ، فَاخْتَارُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ الْأُمَوِيَّ، فَبَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ ثَالِثَ عَشَرَ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَعُمْرُهُ حِينَئِذٍ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَتَلَقَّبَ بِالْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ، فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ شَهْرًا وَاحِدًا وَسَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقُتِلَ.

وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ أَخَذَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ قُرْطُبَةَ فَسَجَنَهُمْ لِمَيْلِهِمْ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُرْتَضَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، فَسَعَوْا عَلَيْهِ مِنَ السِّجْنِ، وَأَلَّبُوا النَّاسَ، فَأَجَابَهُمْ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ وَغَيْرُهُ، وَاجْتَمَعُوا وَقَصَدُوا السِّجْنَ فَأَخْرَجُوا مَنْ فِيهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015