ذِكْرُ وِلَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمُّودٍ الْعَلَوِيِّ بِقُرْطُبَةَ
قَدْ ذَكَرْنَا (قَتْلَ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ حَمُّودٍ) سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَلَمَّا قُتِلَ بَايَعَ النَّاسُ أَخَاهُ الْقَاسِمَ، وَلُقِّبَ الْمَأْمُونَ، فَلَمَّا وَلِيَ، وَاسْتَقَرَّ مُلْكُهُ، كَاتَبَ الْعَامِرِيِّينَ وَاسْتَمَالَهُمْ وَأَقْطَعَ زُهَيْرًا جَيَّانَ، وَقَلْعَةَ رَبَاحٍ، وَبَيَّاسَةَ، وَكَاتَبَ خَيْرَانَ وَاسْتَعْطَفَهُ، فَلَجَأَ إِلَيْهِ وَاجْتَمَعَ بِهِ، ثُمَّ عَادَ عَنْهُ إِلَى الْمَرِيَّةَ، وَبَقِيَ الْقَاسِمُ مَالِكًا لِقُرْطُبَةَ وَغَيْرِهَا إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.
وَكَانَ وَادِعًا، لَيِّنًا، يُحِبُّ الْعَافِيَةَ، فَأَمِنَ النَّاسُ مَعَهُ، وَكَانَ يَتَشَيَّعُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَسَارَ عَنْ قُرْطُبَةَ إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ، فَخَالَفَهُ يَحْيَى ابْنُ أَخِيهِ فِيهَا.
ذِكْرُ دَوْلَةِ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَمُّودٍ وَمَا كَانَ مِنْهُ وَمِنْ عَمِّهِ
لَمَّا سَارَ الْقَاسِمُ بْنُ حَمُّودٍ عَنْ قُرْطُبَةَ إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ سَارَ ابْنُ أَخِيهِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ مِنْ مَالِقَةَ إِلَى قُرْطُبَةَ، فَدَخَلَهَا بِغَيْرِ مَانِعٍ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ بِقُرْطُبَةَ دَعَا النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِهِ فَأَجَابُوهُ، فَكَانَتِ الْبَيْعَةُ مُسْتَهَلَّ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَلُقِّبَ بِالْمُعْتَلِي، وَبَقِيَ بِقُرْطُبَةَ يُدْعَى لَهُ بِالْخِلَافَةِ وَعَمُّهُ الْقَاسِمُ بِإِشْبِيلِيَّةَ يُدْعَى لَهُ بِالْخِلَافَةِ، إِلَى ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. فَسَارَ يَحْيَى عَنْ قُرْطُبَةَ إِلَى مَالِقَةَ.
وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى عَمِّهِ، فَرَكِبَ وَجَدَّ فِي السَّيْرِ لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى قُرْطُبَةَ فَدَخَلَهَا ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَكَانَ مُدَّةُ مُقَامِهِ بِإِشْبِيلِيَّةَ، قَدِ اسْتَمَالَ الْعَسَاكِرَ مِنَ الْبَرْبَرِ وَقَوِيَ بِهِمْ، وَبَقِيَ الْقَاسِمُ بِقُرْطُبَةَ شُهُورًا، ثُمَّ اضْطَرَبَ أَمْرُهُ بِهَا، وَسَارَ ابْنُ أَخِيهِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ إِلَى الْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ، وَغَلَبَ عَلَيْهَا