مِنْ أَعْلَى حِصْنِهِ، فَرَأَى مِنَ الْعَسَاكِرِ مَا هَالَهُ وَرَعَبَهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْجِيهِ إِلَّا الْإِسْلَامُ، فَخَرَجَ فِي نَحْوِ عَشَرَةِ آلَافٍ يُنَادُونَ بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، طَلَبًا لِلْخَلَاصِ فَقَبِلَهُ يَمِينُ الدَّوْلَةِ، وَسَارَ عَنْهُ إِلَى قَلْعَةِ كُلْجُنَدَ، وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ الْهِنْدِ وَشَيَاطِينِهِمْ، وَكَانَ عَلَى طَرِيقِهِ غِيَاضٌ مُلْتَفَّةٌ لَا يَقْدِرُ السَّالِكُ عَلَى قَطْعِهَا إِلَّا بِمَشَقَّةٍ، فَسَيَّرَ كُلْجُنْدُ عَسَاكِرَهُ وَفُيُولَهُ إِلَى أَطْرَافِ تِلْكَ الْغِيَاضِ يَمْنَعُونَ مِنْ سُلُوكِهَا، فَتَرَكَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ عَلَيْهِمْ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ، وَسَلَكَ طَرِيقًا مُخْتَصَرَةً إِلَى الْحِصْنِ، فَلَمْ يَشْعُرُوا بِهِ إِلَّا وَهُوَ مَعَهُمْ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، فَلَمْ يُطِيقُوا الصَّبْرَ عَلَى حَدِّ السُّيُوفِ، فَانْهَزَمُوا، وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَلَقُوا نَهْرًا عَمِيقًا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَاقْتَحَمُوهُ، فَغَرِقَ أَكْثَرُهُمْ وَكَانَ الْقَتْلَى وَالْغَرْقَى قَرِيبًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا، وَعَمَدَ كُلْجُنْدُ إِلَى زَوْجَتِهِ فَقَتَلَهَا ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَهُ بَعْدَهَا، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ أَمْوَالَهُ وَمَلَكُوا حُصُونَهُ.
ثُمَّ سَارَ نَحْوَ بَيْتٍ مُتَعَبَّدٍ لَهُمْ، وَهُوَ مَهَرَةُ الْهِنْدِ، وَهُوَ مِنْ أَحْصَنِ الْأَبْنِيَةِ عَلَى نَهْرٍ، وَلَهُمْ بِهِ مِنَ الْأَصْنَامِ كَثِيرٌ، مِنْهَا خَمْسَةُ أَصْنَامٍ مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ الْمُرَصَّعِ بِالْجَوَاهِرِ، وَكَانَ فِيهَا مِنَ الذَّهَبِ سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ وَتِسْعُونَ أَلْفًا وَثَلَاثُمِائَةِ مِثْقَالٍ، وَكَانَ بِهَا مِنَ الْأَصْنَامِ الْمَصُوغَةِ مِنَ النُّقْرَةِ نَحْوُ مِائَتَيْ صَنَمٍ، فَأَخَذَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ ذَلِكَ جَمِيعَهُ، وَأَحْرَقَ الْبَاقِيَ، وَسَارَ نَحْوَ قَنُّوجَ، (وَصَاحِبُهَا رَاجِيَالُ) ، فَوَصَلَ إِلَيْهَا فِي شَعْبَانَ، فَرَأَى صَاحِبَهَا قَدْ فَارَقَهَا: وَعَبَرَ الْمَاءَ الْمُسَمَّى كَنْكُ، وَهُوَ مَاءٌ شَرِيفٌ عِنْدَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ مَنْ غَرَّقَ نَفْسَهُ فِيهِ طُهِّرَ مِنَ الْآثَامِ، فَأَخَذَهَا يَمِينُ الدَّوْلَةِ، وَأَخَذَ قِلَاعَهَا وَأَعْمَالَهَا، وَهِيَ سَبْعٌ عَلَى الْمَاءِ الْمَذْكُورِ، وَفِيهَا قَرِيبٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ بَيْتِ صَنَمٍ، يَذْكُرُونَ أَنَّهَا عُمِلَتْ مِنْ مِائَتَيْ أَلْفِ سَنَةٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفٍ كَذِبًا مِنْهُمْ وَزُورًا، وَلَمَّا فَتَحَهَا أَبَاحَهَا عَسْكَرُهُ.
ثُمَّ سَارَ إِلَى قَلْعَةِ الْبَرَاهِمَةِ، فَقَاتَلُوهُ وَثَبَتُوا، فَلَمَّا عَضَّهُمُ السِّلَاحُ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ، فَاسْتَسْلَمُوا لِلسَّيْفِ فَقُتِلُوا، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ.