ذِكْرُ غَزْوَةِ يَمِينِ الدَّوْلَةِ بِلَادَ الْغَوْرِ وَغَيْرِهَا
بِلَادُ الْغَوْرِ تُجَاوِرُ غَزْنَةَ، وَكَانَ الْغَوْرُ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ، وَيُخِيفُونَ السَّبِيلَ، وَبِلَادُهُمْ جِبَالٌ وَعْرَةٌ، وَمَضَايِقُ غَلِقَةٌ، وَكَانُوا يَحْتَمُونَ بِهَا، وَيَعْتَصِمُونَ بِصُعُوبَةِ مَسْلَكِهَا، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَنِفَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ أَنَّ يَكُونَ مِثْلَ أُولَئِكَ الْمُفْسِدِينَ جِيرَانَهُ، وَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مِنَ الْفَسَادِ وَالْكُفْرِ، فَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَسَارَ إِلَيْهِمْ وَعَلَى مُقَدَّمَتِهِ الْتُونْتَاشُ الْحَاجِبُ، صَاحِبُ هَرَاةَ، وَأَرْسَلَانُ الْجَاذِبُ، صَاحِبُ طُوسَ، وَهُمَا أَكْبَرُ أُمَرَائِهِ، فَسَارَا فَيِمَنْ مَعَهُمَا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَضِيقٍ قَدْ شُحِنَ بِالْمُقَاتَلَةِ، فَتَنَاوَشُوا الْحَرْبَ، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ.
فَسَمِعَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ الْحَالَ، فَجَدَّ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ، وَمَلَكَ عَلَيْهِمْ مَسَالِكَهُمْ، فَتَفَرَّقُوا، وَسَارُوا إِلَى عَظِيمِ الْغُورِيَّةِ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ سُورَى، فَانْتَهَوْا إِلَى مَدِينَتِهِ الَّتِي تُدْعَى آهِنَكْرَانَ، فَبَرَزَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي عَشَرَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ، فَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَنِ انْتَصَفَ النَّهَارُ، فَرَأَوْا أَشْجَعَ النَّاسِ وَأَقْوَاهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، فَأَمَرَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ أَنْ يُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِدْرَاجِ، فَفَعَلُوا. فَلَمَّا رَأَى الْغَوْرِيَّةُ ذَلِكَ ظَنُّوهُ هَزِيمَةً، فَاتَّبَعُوهُمْ حَتَّى أَبْعَدُوا عَنْ مَدِينَتِهِمْ، فَحِينَئِذٍ عَطَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ وَوَضَعُوا السُّيُوفَ فِيهِمْ فَأَبَادُوهُمْ قَتْلًا وَأَسْرًا، وَكَانَ فِي الْأَسْرَى كَبِيرُهُمْ وَزَعِيمُهُمُ ابْنُ سُورَى، وَدَخَلَ