فِي دَوْلَتِهِ هَذِهِ إِلَى وَاضِحٍ الْعَامِرِيِّ، وَأَدْخَلَ أَهْلَ قُرْطُبَةَ إِلَيْهِ، فَوَعَدَهُمْ وَمَنَّاهُمْ، وَكَتَبَ إِلَى الْبَرْبَرِ الَّذِينَ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَاكِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَالْوَفَاءِ بِبَيْعَتِهِ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَأَمَرَ أَجْنَادَهُ وَأَهْلَ قُرْطُبَةَ بِالْحَذَرِ وَالِاحْتِيَاطِ، فَأَحَبَّهُ النَّاسُ.
ثُمَّ نُقِلَ إِلَيْهِ أَنْ نَفَرًا مِنَ الْأُمَوِيِّينَ بِقُرْطُبَةَ قَدْ كَاتَبُوا سُلَيْمَانَ، وَوَاعَدُوهُ لِيَكُونَ بِقُرْطُبَةَ فِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِيُسَلِّمُوا إِلَيْهِ الْبَلَدَ، فَأَخَذَهُمْ وَحَبَسَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ الْمِيعَادُ قَدِمَ الْبَرْبَرُ إِلَى قُرْطُبَةَ، فَرَكِبَ الْجُنْدُ وَأَهْلُ قُرْطُبَةَ، وَخَرَجُوا إِلَيْهِمْ مَعَ الْمُؤَيَّدِ، فَعَادَ الْبَرْبَرُ وَتَبِعَتْهُمْ عَسَاكِرُهُ، فَلَمْ يَلْحَقُوهُمْ. وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى شَيْءٍ.
ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ وَالْبَرْبَرَ رَاسَلُوا مَلِكَ الْفِرِنْجَ يَسْتَمِدُّونَهُ، وَبَذَلُوا لَهُ تَسْلِيمَ حُصُونٍ كَانَ الْمَنْصُورُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ قَدْ فَتَحَهَا مِنْهُمْ، فَأَرْسَلَ مَلِكُ الْفِرِنْجَ إِلَى الْمُؤَيَّدِ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ تَسْلِيمَ هَذِهِ الْحُصُونِ لِئَلَّا يَمُدَّ سُلَيْمَانَ بِالْعَسَاكِرِ. فَاسْتَشَارَ أَهْلَ قُرْطُبَةَ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارُوا بِتَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُنْجِدُوا سُلَيْمَانَ، وَاسْتَقَرَّ الصُّلْحُ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِمِائَةٍ. فَلَمَّا أَيِسَ الْبَرْبَرُ مِنْ إِنْجَادِ الْفِرِنْجَ رَحَلُوا، فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْ قُرْطُبَةَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَجَعَلَتْ خَيْلُهُمْ تُغِيرُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَخَرَّبُوا الْبِلَادَ.
وَعَمِلَ الْمُؤَيَّدُ وَوَاضِحٌ الْعَامِرِيُّ سُورًا وَخَنْدَقًا عَلَى قُرْطُبَةَ أَمَامَ السُّورِ الْكَبِيرِ، ثُمَّ نَزَلَ سُلَيْمَانُ قُرْطُبَةَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَلَمْ يَمْلِكْهَا، فَانْتَقَلَ إِلَى الزَّهْرَاءِ وَحَصَرَهَا، وَقَاتَلَ مَنْ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ الْمُوَكَّلِينَ بِحِفْظِهَا سَلَّمَ إِلَيْهِ الْبَابَ الَّذِي هُوَ مُوَكَّلٌ بِحِفْظِهِ، فَصَعِدَ الْبَرْبَرُ السُّورَ، وَقَاتَلُوا مَنْ عَلَيْهِ حَتَّى أَزَالُوهُمْ، وَمَلَكُوا الْبَلَدَ عَنْوَةً، وَقُتِلَ أَكْثَرُ مَنْ بِهِ مِنَ الْجُنْدِ، وَصَعِدَ أَهْلُ الْجَبَلِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ بِالْجَامِعِ، فَأَخَذَهُمُ الْبَرْبَرُ وَذَبَحُوهُمْ حَتَّى النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَأَلْقَوُا النَّارَ فِي الْجَامِعِ وَالْقَصْرِ وَالدِّيَارِ، فَاحْتَرَقَ أَكْثَرُ ذَلِكَ وَنُهِبَتِ الْأَمْوَالُ.
ثُمَّ إِنَّ وَاضِحًا كَاتَبَ سُلَيْمَانَ يُعَرِّفُهُ أَنَّهُ يُرِيدُ الِانْتِقَالَ عَنْ قُرْطُبَةَ سِرًّا، وَيُشِيرُ عَلَيْهِ بِمُنَازَلَتِهَا بَعْدَ مَسِيرِهِ عَنْهَا، وَنَمَى الْخَبَرُ إِلَى الْمُؤَيَّدِ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ