ذِكْرُ وَفَاةِ الطَّائِعِ لِلَّهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، (فِي شَوَّالٍ مِنْهَا) ،، تُوُفِّيَ الطَّائِعُ لِلَّهِ الْمَخْلُوعُ ابْنُ الْمُطِيعِ لِلَّهِ، وَحَضَرَ الْأَشْرَافُ وَالْقُضَاةُ وَغَيْرُهُمْ دَارَ الْخِلَافَةِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّعْزِيَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الْقَادِرُ بِاللَّهِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْسًا، وَتَكَلَّمَتِ الْعَامَّةُ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مِمَّا يُفْعَلُ بِالْخُلَفَاءِ، وَشَيَّعَ جِنَازَتَهُ ابْنُ حَاجِبٍ النُّعْمَانُ، وَرَثَاهُ الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ فَقَالَ: مَا بَعْدَ يَوْمِكَ مَا يَسْلُو بِهِ السَّالِي وَمِثْلُ يَوْمِكَ لَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالَى
وَهِيَ طَوِيلَةٌ.
ذِكْرُ وَفَاةِ الْمَنْصُورِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ أَبُو عَامِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْمَعَافِرِيُّ، الْمُلَقَّبُ بِالْمَنْصُورِ، أَمِيرُ الْأَنْدَلُسِ مَعَ الْمُؤَيِّدِ هِشَامِ بْنِ الْحَاكِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُؤَيِّدِ، وَكَانَ أَصْلُهُ مِنَ الْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ مِنْ بَيْتٍ مَشْهُورٍ بِهَا، وَقَدِمَ قُرْطُبَةَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ، وَكَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ، فَتَعَلَّقَ بِوَالِدَةِ الْمُؤَيَّدِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ الْمُسْتَنْصِرِ.
فَلَمَّا وَلِيَ هِشَامٌ كَانَ صَغِيرًا، فَتَكَفَّلَ الْمَنْصُورُ لِوَالِدَتِهِ الْقِيَامَ بِأَمْرِهِ، وَإِخْمَادَ الْفِتَنِ الثَّائِرَةِ عَلَيْهِ، وَإِقْرَارَ الْمُلْكِ عَلَيْهِ، فَوَلَّتْهُ أَمْرَهُ وَكَانَ شَهْمًا، شُجَاعًا، قَوِيَّ النَّفْسِ، حَسَنَ التَّدَبُّرِ، فَاسْتَمَالَ الْعَسَاكِرَ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، فَقَوِيَ أَمْرُهُ، وَتَلَقَّبَ بِالْمَنْصُورِ، وَتَابَعَ الْغَزَوَاتِ إِلَى الْفِرِنْجِ وَغَيْرِهِمْ، وَسَكَنَتِ الْبِلَادُ مَعَهُ، فَلَمْ يَضْطَرِبْ مِنْهَا شَيْءٌ.
وَكَانَ عَالِمًا، مُحِبًّا لِلْعُلَمَاءِ، يُكْثِرُ مُجَالَسَتَهُمْ وَيُنَاظِرُهُمْ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ ذِكْرَ مَنَاقِبِهِ، وَصَنَّفُوا لَهَا تَصَانِيفَ كَثِيرَةً، وَلَمَّا مَرِضَ كَانَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْغَزْوِ، فَلَمْ يَرْجِعْ،