وَاسْتَنَابَ بَعْدَهُ عَمِيدَ الْجُيُوشِ أَبَا عَلِيٍّ، فَأَقَامَ أَبُو جَعْفَرٍ بِنَوَاحِي الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي عَلِيٍّ صُلْحٌ.
وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ قَدْ جَمَعَ جَمْعًا مِنَ الدَّيْلَمِ وَالْأَتْرَاكِ وَخَفَاجَةَ فَجَمَعَ أَبُو عَلِيٍّ أَيْضًا جَمْعًا كَثِيرًا وَسَارَ إِلَيْهِ، وَالْتَقَوْا بِنَوَاحِي النُّعْمَانِيَّةِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا عَظِيمًا، وَأَرْسَلَ أَبُو عَلِيٍّ بَعْضَ عَسْكَرِهِ، فَأَتَوْا أَبَا جَعْفَرٍ مِنْ وَرَائِهِ، فَانْهَزَمَ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَضَى مُنْهَزِمًا.
فَلَمَّا أَمِنَ أَبُو عَلِيٍّ سَارَ مِنَ الْعِرَاقِ، بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، إِلَى خُوزِسْتَانَ، وَبَلَغَ السُّوسَ، وَأَتَاهُ الْخَبَرُ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ قَدْ عَادَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَرَجَعَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ مُنَازَعَاتٌ وَمُرَاجَعَاتٌ إِلَى أَنْ آلَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَرْبِ فَاسْتَنْجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَنِي عُقَيْلٍ وَبَنِيَ خَفَاجَةَ وَبَنِي أَسَدٍ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ أَرْسَلَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ إِلَى عَمِيدِ الْجُيُوشِ أَبِي عَلِيٍّ يَسْتَدْعِيهِ، فَسَارَ إِلَيْهِ إِلَى خُوزِسْتَانَ لِأَجْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ وَاصِلٍ، صَاحِبِ الْبَطِيحَةِ.
ذِكْرُ عِصْيَانِ سِجِسْتَانَ وَفَتْحِهَا ثَانِيَةً
لَمَّا مَلَكَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ سِجِسْتَانَ عَادَ عَنْهَا وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا أَمِيرًا كَبِيرًا مِنْ أَصْحَابِهِ، يُعْرَفُ بِقَنْجَى الْحَاجِبِ، فَأَحْسَنَ السِّيرَةَ فِي أَهْلِهَا.
ثُمَّ إِنَّ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْعَيْثِ وَالْفَسَادِ قَدَّمُوا عَلَيْهِمْ رَجُلًا يَجْمَعُهُمْ، وَخَالَفُوا عَلَى السُّلْطَانِ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ يَمِينُ الدَّوْلَةِ، وَحَصَرَهُمْ فِي حِصْنِ أَرَكَ، وَنَشِبَتِ الْحَرْبُ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، وَظَفِرَ بِهِمْ، وَمَلَكَ حِصْنَهُمْ، وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَانْهَزَمَ بَعْضُهُمْ فَسَيَّرَ فِي آثَارِهِمْ مَنْ يَطْلُبُهُمْ، فَأَدْرَكُوهُمْ، فَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ فِيهِمْ حَتَّى خَلَتْ سِجِسْتَانُ مِنْهُمْ وَصَفَتْ لَهُ وَاسْتَقَرَّ مُلْكُهَا عَلَيْهِ، فَأَقْطَعَهَا أَخَاهُ نَصْرًا مُضَافَةً إِلَى نَيْسَابُورَ.