إِنَّ أَبَاهُ رَاسَلَ أَصْحَابَهُ لِيُفْسِدَهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَفْعَلُوا فَعَدَلَ إِلَى مُخَادَعَتِهِ، وَرَاسَلَهُ يُظْهِرُ لَهُ النَّدَمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَيَسْتَمِيلُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ غَيْرَهُ، وَأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَمُوتَ فَيَمْلِكَ بِلَادَهُ غَيْرُ وَلَدِهِ. ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ إِلَيْهِ جَرِيدَةً لِيَجْتَمِعَ بِهِ وَيُعَرِّفَهُ أَحْوَالَهُ، فَتَوَاعَدَا تَحْتَ قَلْعَةِ خَلَفٍ، فَأَتَاهُ ابْنُهُ جَرِيدَةً، وَنَزَلَ هُوَ إِلَيْهِ كَذَلِكَ، وَكَانَ قَدْ كَمَّنَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ كَمِينًا، فَلَمَّا لَقِيَهُ اعْتَنَقَهُ، وَبَكَى خَلَفٌ، وَصَاحَ فِي بُكَائِهِ، فَخَرَجَ الْكَمِينُ وَأَسَرُوا طَاهِرًا، فَقَتَلَهُ أَبَوْهُ بِيَدِهِ، وَغَسَلَهُ وَدَفَنَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ غَيْرَهُ.
فَلَمَّا قُتِلَ طَمِعَ النَّاسُ فِي خَلَفٍ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ ابْنَهُ لِشَهَامَتِهِ، وَقَصَدَهُ حِينَئِذٍ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ، فَمَلَكَ بِلَادَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَأَمَّا الْعُتْبِيُّ فَذَكَرَ فِي سَبَبِ فَتْحِهَا غَيْرَ هَذَا، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ ثَارَ الْأَتْرَاكُ بِبَغْدَاذَ بِنَائِبِ السُّلْطَانِ، وَهُوَ أَبُو نَصْرٍ سَابُورُ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ، وَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْأَتْرَاكِ الْعَامَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكَرْخِ، وَقُتِلَ بَيْنَهُمْ قَتْلَى كَثِيرَةٌ، ثُمَّ إِنَّ السُّنَّةَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَاذَ سَاعَدُوا الْأَتْرَاكَ عَلَى أَهْلِ الْكَرْخِ، فَضَعُفُوا عَنِ الْجَمِيعِ، فَسَعَى الْأَشْرَافُ فِي إِصْلَاحِ الْحَالِ فَسَكَنَتِ الْفِتْنَةُ.
وَفِيهَا وُلِدَ الْأَمِيرُ أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْقَادِرِ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ.
[الْوَفَيَاتُ]
وَفِيهَا، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، تُوُفِّيَ أَبُو الْقَاسِمِ عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى، وَكَانَ فَاضِلًا [عَالِمًا] بِعُلُومِ الْإِسْلَامِ وَبِالْمَنْطِقِ، وَكَانَ يَجْلِسُ لِلتَّحْدِيثِ، وَرَوَى النَّاسُ عَنْهُ.