فَلَمَّا وَصَلَ رَسُولُ الْعَزِيزِ فِي طَلَبِهِ أَرَاهُ رَأْسَهُ مَقْطُوعًا، فَعَادَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَاغْتَمَّ لَهُ.
وَلَمَّا مَاتَ الْعَزِيزُ وَلِيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو عَلِيٍّ الْمَنْصُورُ، وَلُقِّبَ الْحَاكِمَ بِأَمْرِ اللَّهِ، بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيهِ، فَوَلِيَ وَعُمْرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً (وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ) ، وَأَوْصَى الْعَزِيزُ إِلَى أَرْجُوَانَ الْخَادِمِ، وَكَانَ يَتَوَلَّى أَمْرَ دَارِهِ، وَجَعَلَهُ مُدَبِّرَ دَوْلَةِ ابْنِهِ الْحَاكِمِ، فَقَامَ بِأَمْرِهِ، وَبَايَعَ لَهُ، وَأَخَذَ لَهُ الْبَيْعَةَ عَلَى النَّاسِ، وَتَقَدَّمَ الْحَسَنُ بْنُ عَمَّارٍ، شَيْخُ كُتَامَةَ وَسَيِّدُهَا، وَحَكَمَ فِي دَوْلَتِهِ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَتَلَقَّبَ بِأَمِينِ الدَّوْلَةِ، هُوَ أَوَّلُ مَنْ تَلَقَّبَ فِي دَوْلَةِ الْعَلَوِيِّينَ الْمِصْرِيِّينَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ ثِقَاتُهُ بِقَتْلِ الْحَاكِمِ، وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ [بِنَا] إِلَى مَنْ يَتَعَبَّدُنَا، فَلَمْ يَفْعَلِ احْتِقَارًا لَهُ، وَاسْتِصْغَارًا لِسِنِّهِ.
وَانْبَسَطَتْ كُتَامَةُ فِي الْبِلَادِ، وَحَكَمُوا فِيهَا، وَمَدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى أَمْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَحَرِيمِهِمْ، وَأَرْجُوَانُ مُقِيمٌ مَعَ الْحَاكِمِ فِي الْقَصْرِ يَحْرُسُهُ، وَاتَّفَقَ مَعَهُ شُكْرٌ خَادِمُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْضَ شَرَفِ الدَّوْلَةِ عَلَيْهِ وَمَسِيرَهُ إِلَى مِصْرَ، فَلَمَّا اتَّفَقَا، وَصَارَتْ كَلِمَتُهُمَا وَاحِدَةً، كَتَبَ أَرْجُوَانُ إِلَى مَنْجُوتِكِينَ يَشْكُو مَا (يَتِمُّ عَلَيْهِ) مِنِ ابْنِ عَمَّارٍ، فَتَجَهَّزَ وَسَارَ مِنْ دِمَشْقَ نَحْوَ مِصْرَ، فَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى ابْنِ عَمَّارٍ، فَأَظْهَرُ أَنَّ مَنْجُوتِكِينَ قَدْ عَصَى عَلَى الْحَاكِمِ، وَنَدَبَ الْعَسَاكِرَ إِلَى قِتَالِهِ، وَسَيَّرَ إِلَيْهِ جَيْشًا كَثِيرًا، وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ أَبَا تَمِيمٍ سُلَيْمَانَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ فَلَاحٍ الْكُتَامِيَّ، فَسَارُوا إِلَيْهِ فَلَقُوهُ بِعَسْقَلَانَ، فَانْهَزَمَ مَنْجُوتِكِينُ وَأَصْحَابُهُ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ أَلْفَا رَجُلٍ، وَأُسِرَ مَنْجُوتِكِينُ وَحُمِلَ إِلَى مِصْرَ، فَأَبْقَى عَلَيْهِ ابْنُ عَمَّارٍ، وَأَطْلَقَهُ اسْتِمَالَةً لِلْمَشَارِقَةِ بِذَلِكَ.
وَاسْتَعْمَلَ ابْنُ عَمَّارٍ عَلَى الشَّامِ أَبَا تَمِيمٍ الْكُتَامِيَّ، وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ جَعْفَرٍ، فَسَارَ إِلَى طَبَرِيَةَ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى دِمَشْقَ أَخَاهُ عَلِيًّا، فَامْتَنَعَ أَهْلُهَا عَلَيْهِ، فَكَاتَبَهُمْ أَبُو تَمِيمٍ