ذِكْرُ مَسِيرِ أَبِي عَلِيٍّ إِلَى الرَّيِّ

لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ وَشْمَكِيرَ وَرُكْنِ الدَّوْلَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، كَتَبَ وَشْمَكِيرُ إِلَى الْأَمِيرِ نُوحٍ يَسْتَمِدُّهُ، فَكَتَبَ نُوحٌ إِلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ مُحْتَاجٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ فِي جُيُوشِ خُرَاسَانَ إِلَى الرَّيِّ وَقِتَالِ رُكْنِ الدَّوْلَةِ، فَسَارَ أَبُو عَلِيٍّ فِي جُيُوشٍ كَثِيرَةٍ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ وَشْمَكِيرُ، فَسَارَا إِلَى الرَّيِّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.

وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى رُكْنِ الدَّوْلَةِ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِمَنْ قَصَدَهُ، فَرَأَى أَنْ يَحْفَظَ بَلَدَهُ، وَيُقَاتِلَ عَدُوَّهُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَحَارَبَ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِطَبَرَكَ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ عِدَّةَ شُهُورٍ يُقَاتِلُهُ، فَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ وَهَلَكَتْ دَوَابُّ الْخُرَاسَانِيَّةِ، وَأَتَاهُمُ الشِّتَاءُ وَمَلُّوا فَلَمْ يَصْبِرُوا، فَاضْطُرَّ أَبُو عَلِيٍّ إِلَى الصُّلْحِ، فَتَرَاسَلُوا فِي ذَلِكَ، وَكَانَ الرَّسُولُ أَبَا جَعْفَرٍ الْخَازِنَ، صَاحِبَ كِتَابِ زِيجِ الصَّفَائِحِ، وَكَانَ عَارِفًا بِعُلُومِ الرِّيَاضَةِ، وَكَانَ الْمُشِيرُ بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمُقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَتَصَالَحَا وَتَقَرَّرَ عَلَى رُكْنِ الدَّوْلَةِ كُلَّ سَنَةٍ مِائَتَا أَلْفِ دِينَارٍ، وَعَادَ أَبُو عَلِيٍّ إِلَى خُرَاسَانَ.

وَكَتَبَ وَشْمَكِيرُ إِلَى الْأَمِيرِ نُوحٍ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، وَيَذْكُرُ لَهُ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ لَمْ يَصْدُقْ فِي الْحَرْبِ، وَأَنَّهُ مَالَأَ رُكْنَ الدَّوْلَةِ، (فَاغْتَاظَ نُوحٌ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ، وَأَمَّا رُكْنُ الدَّوْلَةِ) فَإِنَّهُ لَمَّا عَادَ عَنْهُ أَبُو عَلِيٍّ، سَارَ نَحْوَ وَشْمَكِيرَ، فَانْهَزَمَ وَشْمَكِيرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ إِلَى أَسْفَرَايِينَ، وَاسْتَوْلَى رُكْنُ الدَّوْلَةِ عَلَى طَبَرِسْتَانَ.

ذِكْرُ عَزْلِ أَبِي عَلِيٍّ عَنْ خُرَاسَانَ

لَمَّا اتَّصَلَ خَبَرُ أَبِي عَلِيٍّ عَنِ الرَّيِّ إِلَى الْأَمِيرِ نُوحٍ، سَاءَهُ ذَلِكَ، وَكَتَبَ وَشْمَكِيرُ إِلَى نُوحٍ يُلْزِمُ الذَّنْبَ فِيهِ أَبَا عَلِيٍّ، فَكَتَبَ إِلَى أَبِي عَلِيٍّ بِعَزْلِهِ عَنْ خُرَاسَانَ، وَكَتَبَ إِلَى الْقُوَّادِ يُعَرِّفُهُمْ أَنَّهُ قَدْ عَزَلَهُ عَنْهُمْ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْجُيُوشِ بَعْدَهُ أَبَا سَعِيدٍ بَكْرَ بْنَ مَالِكٍ الْفَرْغَانِيَّ، فَأَنْفَذَ أَبُو عَلِيٍّ يَعْتَذِرُ، وَرَاسَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ نَيْسَابُورَ يُقِيمُونَ عُذْرَهُ، وَيَسْأَلُونَ أَنْ لَا يُعْزَلَ عَنْهُمْ، فَلَمْ يُجَابُوا إِلَى ذَلِكَ، وَعُزِلَ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ خُرَاسَانَ، وَأَظْهَرَ الْخِلَافَ وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ بِنَيْسَابُورَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015