قَالَ ابْنُ الْعَمِيدِ: فَأَتَانَا الْخَبَرُ وَالْبِشَارَةُ بِأَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ رَحَلَ، فَمَا صَدَّقْنَا حَتَّى تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ، فَرَكِبْنَا وَلَا نَعْرِفُ سَبَبَ هَرَبِهِمْ، وَسِرْنَا حَذِرِينَ مِنْ كَمِينٍ، وَسِرْتُ إِلَى جَانِبِ رُكْنِ الدَّوْلَةِ وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَيْرُوزَ، فَصَاحَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ بِغُلَامٍ بَيْنَ يَدَيْهِ: نَاوِلْنِي ذَلِكَ الْخَاتَمَ، فَأَخَذَ خَاتَمًا مِنَ الْأَرْضِ فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ، فَإِذَا هُوَ فَيْرُوزَجُ، فَجَعَلَهُ فِي إِصْبَعِهِ وَقَالَ: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ، وَهَذَا الْخَاتَمُ الَّذِي رَأَيْتُ مُنْذُ سَاعَةٍ. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا يُحْكَى وَأَعْجَبِهِ.

ذِكْرُ أَخْبَارِ عِمْرَانَ بْنِ شَاهِينَ، وَانْهِزَامِ عَسَاكِرِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ

وَقَدْ ذَكَرْنَا حَالَ عِمْرَانَ بْنِ شَاهِينَ بَعْدَ مَسِيرِ الصَّيْمَرِيِّ عَنْهُ، وَأَنَّهُ زَادَ قُوَّةً وَجُرْأَةً، فَأَنْفَذَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ إِلَى قِتَالِهِ رُوزْبَهَانَ، وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ عَسْكَرِهِ، فَنَازَلَهُ وَقَاتَلَهُ، فَطَاوَلَهُ عِمْرَانُ، وَتَحَصَّنَ مِنْهُ فِي مَضَايِقِ الْبَطِيحَةِ، فَضَجَرَ رُوزْبَهَانُ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ طَالِبًا لِلْمُنَاجَزَةِ، فَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ عِمْرَانُ وَهَزَمَهُ وَأَصْحَابَهُ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ وَغَنِمَ جَمِيعَ مَا مَعَهُمْ مِنَ السِّلَاحِ وَآلَاتِ الْحَرْبِ، فَقَوِيَ بِهَا، وَتَضَاعَفَتْ قُوَّتُهُ، فَطَمِعَ أَصْحَابُهُ فِي السُّلْطَانِ، فَصَارُوا إِذَا اجْتَازَ بِهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ، يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْبَذْرَقَةَ وَالْخِفَارَةَ، فَإِنْ أَعْطَاهُمْ، وَإِلَّا ضَرَبُوهُ وَاسْتَخَفُّوا بِهِ وَشَتَمُوهُ.

وَكَانَ الْجُنْدُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ الْعُبُورِ عَلَيْهِمْ إِلَى ضَيَاعِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ بِالْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ انْقَطَعَ الطَّرِيقُ إِلَى الْبَصْرَةِ إِلَّا عَلَى الظَّهْرِ، فَشَكَا النَّاسُ ذَلِكَ إِلَى مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، فَكَتَبَ إِلَى الْمُهَلَّبِيِّ بِالْمَسِيرِ إِلَى وَاسِطَ لِهَذَا السَّبَبِ، وَكَانَ بِالْبَصْرَةِ، فَأَصْعَدَ إِلَيْهَا، وَأَمَدَّهُ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بِالْقُوَّادِ وَالْأَجْنَادِ وَالسِّلَاحِ، وَأَطْلَقَ يَدَهُ فِي الْإِنْفَاقِ، فَزَحَفَ إِلَى الْبَطِيحَةِ وَضَيَّقَ عَلَى عِمْرَانَ، وَسَدَّ الْمَذَاهِبَ عَلَيْهِ، فَانْتَهَى إِلَى الْمَضَايِقِ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا عِمْرَانُ وَأَصْحَابُهُ، وَأَحَبَّ رُوزْبَهَانُ أَنْ يُصِيبَ الْمُهَلَّبِيَّ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْهَزِيمَةِ، وَلَا يَسْتَبِدَّ بِالظَّفَرِ وَالْفَتْحِ، وَأَشَارَ عَلَى الْمُهَلَّبِيِّ بِالْهُجُومِ عَلَى عِمْرَانَ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، فَكَتَبَ إِلَى مُعِزِّ الدَّوْلَةِ يُعَجِّزُ الْمُهَلَّبِيَّ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ يُطَاوِلُ لِيُنْفِقَ الْأَمْوَالَ وَيَفْعَلَ مَا يُرِيدُ، فَكَتَبَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بِالْعَتَبِ وَالِاسْتِبْطَاءِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015