كَانَ بِهَا مِنْ أَصْحَابِ رَكْنِ الدَّوْلَةِ، وَأَهْلِهِ وَأَسْبَابِهِ، وَرَكِبُوا الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ، حَتَّى الْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ، وَبَلَغَ كِرَاءُ الثَّوْرِ وَالْحِمَارِ إِلَى خَانِ لِنْجَانَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَهِيَ عَلَى تِسْعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ أَصْبَهَانَ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ مُجَاوَرَةَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَوْ سَارَ إِلَيْهِمْ مَنْصُورٌ لِغَنَمِهِمْ وَأَخَذَ مَا مَعَهُمْ، وَمَلَكَ مَا وَرَاءَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ دَخَلَ أَصْبَهَانَ وَأَقَامَ بِهَا.

وَوَصَلَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ فَنَزَلَ بِخَانِ لَنْجَانَ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمَا حُرُوبٌ عِدَّةَ أَيَّامٍ، وَضَاقَتِ الْمِيرَةُ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَبَلَغَ بِهِمُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ ذَبَحُوا دَوَابَّهُمْ، وَلَوْ أَمْكَنَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ الِانْهِزَامُ لَفَعَلَ، وَلَكِنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَاسْتَشَارَ وَزِيرَهُ أَبَا الْفَضْلِ بْنَ الْعَمِيدِ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي فِي الْهَرَبِ، فَقَالَ لَهُ: لَا مَلْجَأَ لَكَ إِلَّا اللَّهَ - تَعَالَى، فَانْوِ لِلْمُسْلِمِينَ خَيرًا، وَصَمِّمِ الْعَزْمَ عَلَى حُسْنِ السِّيرَةِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْحِيَلَ الْبَشَرِيَّةَ كُلُّهَا تَقَطَّعَتْ بِنَا، وَإِنِ انْهَزَمْنَا، تَبِعُونَا وَأَهْلَكُونَا وَهُمْ أَكْثَرُ مِنَّا، فَلَا يُفْلِتُ مِنَّا أَحَدٌ، (فَقَالَ لَهُ: قَدْ سَبَقْتُكَ إِلَى هَذَا) .

فَلَمَّا كَانَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ، أَتَاهُمُ الْخَبَرُ أَنَّ مَنْصُورًا وَعَسْكَرَهُ قَدْ عَادُوا إِلَى الرَّيِّ وَتَرَكُوا خِيَامَهُمْ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمِيرَةَ وَالْعَلُوفَةَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّ الدَّيْلَمَ كَانُوا يَصْبِرُونَ، وَيَقْنَعُونَ بِالْقَلِيلِ مِنَ الطَّعَامِ، وَإِذَا ذَبَحُوا دَابَّةً أَوْ جَمَلًا، اقْتَسَمَهُ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ، وَكَانَ الْخُرَاسَانِيَّةُ بِالضِّدِّ مِنْهُمْ لَا يَصْبِرُونَ وَلَا يَكْفِيهِمُ الْقَلِيلُ، فَشَغَبُوا عَلَى مَنْصُورٍ وَاخْتَلَفُوا، وَعَادُوا إِلَى الرَّيِّ، فَكَانَ عَوْدُهُمْ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، فَأَتَى الْخَبَرُ رُكْنَ الدَّوْلَةِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ حَتَّى تَوَاتَرَ عِنْدَهُ، فَرَكِبَ هُوَ وَعَسْكَرُهُ، وَاحْتَوَى عَلَى مَا خَلَّفَهُ الْخُرَاسَانِيَّةُ.

حَكَى أَبُو الْفَضْلِ بْنُ الْعَمِيدِ، قَالَ: اسْتَدْعَانِي رُكْنُ الدَّوْلَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الثُّلُثَ الْأَخِيرَ، وَقَالَ لِي: قَدْ رَأَيْتُ السَّاعَةَ فِي مَنَامِي كَأَنِّي عَلَى دَابَّتِي فَيْرُوزَ، وَقَدِ انْهَزَمَ عَدُوُّنَا، وَأَنْتَ تَسِيرُ إِلَى جَانِبٍ، وَقَدْ جَاءَنَا الْفَرَجُ مِنْ حَيْثُ لَا نَحْتَسِبُ، فَمَدَدْتُ عَيْنِيَ فَرَأَيْتُ عَلَى الْأَرْضِ خَاتَمًا، فَأَخَذْتُهُ فَإِذَا فَصُّهُ مِنْ فَيْرُوزَجَ، فَجَعَلْتُهُ فِي إِصْبَعِي، وَتَبَرَّكْتُ بِهِ، وَانْتَبَهْتُ وَقَدْ أَيْقَنْتُ بِالظَّفَرِ، فَإِنَّ الْفَيْرُوزَجَ مَعْنَاهُ الظَّفَرُ، وَلِذَلِكَ لَقَّبَ الدَّابَّةَ فَيْرُوزَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015