فَوَصَلَهُمُ الْخَبَرُ أَنَّ الرُّومَ قَدْ زَحَفُوا إِلَيْهِ، فَصَالَحَ أَهْلَ جَرَاجَةَ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ مِنْهُمْ، وَسَارَ إِلَى لِقَاءِ الرُّومِ، فَفَرُّوا مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ إِلَى مَدِينَةِ بَارَّةَ، وَنَزَلَ الْحَسَنُ عَلَى قَلْعَةِ قِسَّانَةَ، وَبَثَّ سَرَايَاهُ إِلَى قِلَّوْرِيَةَ، وَأَقَامَ عَلَيْهَا شَهْرًا، فَسَأَلُوهُ الصُّلْحَ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ مِنْهُمْ.
وَدَخَلَ الشِّتَاءُ، فَرَجَعَ الْجَيْشُ إِلَى مَسِّينِي، وَشَتَّى الْأُسْطُولُ بِهَا، فَأَرْسَلَ الْمَنْصُورُ يَأْمُرُهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى قِلَّوْرِيَةَ، فَسَارَ الْحَسَنُ، وَعَدَا الْمَجَازَ إِلَى جَرَاجَةَ، فَالْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالسَّرْدَغُوسُ وَمَعَهُ الرُّومُ يَوْمَ عَرَفَةَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ رَآهُ النَّاسُ، فَانْهَزَمَتِ الرُّومُ، وَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ أَكْتَافَهُمْ إِلَى اللَّيْلِ، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَغَنِمُوا أَثْقَالَهُمْ وَسِلَاحَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] فَقَصَدَ الْحَسَنُ جَرَاجَةَ فَحَصَرَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى قُسْطَنْطِينَ مَلِكِ الرُّومِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْهُدْنَةَ، فَهَادَنَهُ، وَعَادَ الْحَسَنُ إِلَى رِيُّو وَبَنَى بِهَا مَسْجِدًا كَبِيرًا فِي وَسَطِ الْمَدِينَةِ، وَبَنَى فِي أَحَدِ أَرْكَانِهِ مِئْذَنَةً، وَشَرَطَ عَلَى الرُّومِ أَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عِمَارَتِهِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَالْأَذَانِ، وَأَنْ لَا يَدْخُلَهُ نَصْرَانِيُّ، وَمَنْ دَخَلَهُ مِنَ الْأَسَارَى الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ آمِنٌ سَوَاءً كَانَ مُرْتَدًا أَوْ مُقِيمًا عَلَى دِينِهِ، وَإِنْ أَخْرَجُوا حَجَرًا مِنْهُ، هُدِمَتْ كَنَائِسُهُمْ كُلُّهَا بِصِقِلِّيَةَ وَإِفْرِيقِيَّةَ، فَوَفَى الرُّومُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا ذِلَّةً وَصَغَارًا.
وَبَقِيَ الْحَسَنُ بِصِقِلِّيَةَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ الْمَنْصُورُ وَمَلَكَ الْمُعِزُّ، فَسَارَ إِلَيْهِ وَكَانَ مَا نَذْكُرُهُ.
ذِكْرُ عِصْيَانِ جُمَانَ بِالرَّحْبَةِ وَمَا كَانَ مِنْهُ
كَانَ جُمَانُ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ تُوزُونَ، وَصَارَ فِي جُمْلَةِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ، فَلَمَّا كَانَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ بِبَغْدَاذَ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، وَهُوَ يُحَارِبُ مُعِزَّ الدَّوْلَةِ، ضَمَّ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ جَمِيعَ الدَّيْلَمِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى جُمَانَ لِقِلَّةِ ثِقَتِهِ بِهِمْ، وَقَلَّدَهُ الرَّحْبَةَ وَأَخْرَجَهُ إِلَيْهَا، فَعَظُمَ أَمْرُهُ هُنَاكَ، وَقَصَدَهُ الرِّجَالُ، فَأَظْهَرَ الْعِصْيَانَ عَلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، وَعَزَمَ عَلَى التَّغَلُّبِ عَلَى