أَهْلُ الْبَلَدِ وَقَالُوا: الْآنَ طَابَتْ نُفُوسُنَا، وَعَلِمْنَا أَنَّ بَلَدَنَا يَتَعَمَّرُ، وَيَظْهَرُ فِيهِ الْعَدْلُ، فَانْعَكَسَ الْأَمْرُ عَلَى ابْنِ الطَّبَرِيِّ، وَأَقَامَ الْحَسَنُ وَهُوَ خَائِفٌ مِنْهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَنْصُورَ أَرْسَلَ إِلَى الْحَسَنِ يُعَرِّفُهُ أَنَّهُ قَبَضَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الطَّبَرِيِّ، وَعَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُونَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جُنَّا، وَمَنْ مَعَهُمْ، وَيَأْمُرُهُ بِالْقَبْضِ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ الطَّبَرِيِّ، وَرَجَاءِ بْنِ جُنَّا وَمُحَمَّدٍ. . وَمُخْلِفِي الْجَمَاعَةِ الْمَقْبُوضِينَ، فَاسْتَعْظَمَ الْأَمْرَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الطَّبَرِيِّ يَقُولُ لَهُ: كُنْتَ قَدْ وَعَدْتَنِي أَنْ نَتَفَرَّجَ فِي الْبُسْتَانِ الَّذِي لَكَ، فَتَحْضُرَ لِنَمْضِيَ إِلَيْهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْجَمَاعَةِ عَلَى لِسَانِ ابْنِ الطَّبَرِيِّ يَقُولُ: تَحْضُرُونَ لِنَمْضِيَ مَعَ الْأَمِيرِ إِلَى الْبُسْتَانِ، فَحَضَرُوا عِنْدَهُ، وَجَعَلَ يُحَادِثُهُمْ وَيَطُولُ إِلَى أَنْ أَمْسَوْا، فَقَالَ: قَدْ فَاتَ اللَّيْلُ، وَتَكُونُونَ أَضْيَافَنَا، فَأَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ يَقُولُ: إِنَّهُمُ اللَّيْلَةَ فِي ضِيَافَةِ الْأَمِيرِ، فَتَعُودُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ إِلَى الْغَدِ، فَمَضَى أَصْحَابُهُمْ، فَقَبَضَ عَلَيْهِمْ، وَأَخَذَ جَمِيعَ أَمْوَالِهِمْ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَقَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، فَلَمَّا رَأَى الرُّومُ ذَلِكَ، أَحْضَرَ الرَّاهِبُ مَالَ الْهُدْنَةِ لِثَلَاثِ سِنِينَ.
ثُمَّ إِنَّ مَلِكَ الرُّومِ أَرْسَلَ بِطْرِيقًا فِي الْبَحْرِ فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ إِلَى صِقِلِّيَةَ، وَاجْتَمَعَ هُوَ وَالسَّرْدَغُوسُ، فَأَرْسَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى الْمَنْصُورِ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أُسْطُولًا فِيهِ سَبْعَةُ آلَافِ فَارِسٍ، وَثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةِ رَاجِلٍ سِوَى الْبَحْرِيَّةِ، وَجَمَعَ الْحَسَنُ إِلَيْهِمْ جَمْعًا كَثِيرًا، وَسَارَ (فِي الْبَرِّ) وَالْبَحْرِ، فَوَصَلَ إِلَى مَسِّينِي، وَعَدَتِ الْعَسَاكِرُ الْإِسْلَامِيَّةُ إِلَى رِيُّو، وَبَثَّ الْحَسَنُ السَّرَايَا فِي أَرْضِ قِلَّوْرِيَةَ، وَنَزَلَ الْحَسَنُ عَلَى جَرَاجَةَ، وَحَاصَرَهَا أَشَدَّ حِصَارٍ، وَأَشْرَفُوا عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ،