وَفِيهَا فِي ذِي الْقِعْدَةِ عَزَمَ مُحَمَّدُ بْنُ يَاقُوتٍ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْأَهْوَازِ ; لِمُحَارَبَةِ عَسْكَرِ مَرْدَاوَيْجَ، فَتَقَدَّمَ إِلَى الْجُنْدِ الْحَجَرِيَّةِ وَالسَّاجِيَّةِ بِالتَّجَهُّزِ لِلْمَسِيرِ مَعَهُ، وَبَذَلَ مَالًا يَتَجَهَّزُونَ بِهِ، فَامْتَنَعُوا وَتَجَمَّعُوا وَقَصَدُوا دَارَ مُحَمَّدِ بْنِ يَاقُوتٍ، فَأَغْلَظَ لَهُمْ فِي الْخِطَابِ، فَسَبُّوا، وَرَمَوْا دَارَهُ بِالْحِجَارَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَصَدُوا دَارَهُ أَيْضًا، وَأَغْلَظُوا لَهُ فِي الْخِطَابِ، وَقَاتَلُوا مَنْ بِدَارِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَرَمَاهُمْ أَصْحَابُهُ وَغِلْمَانُهُ بِالنُّشَّابِ، فَانْصَرَفُوا وَبَطَلَتِ الْحَرَكَةُ إِلَى الْأَهْوَازِ.
وَفِيهَا سَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي طَاهِرٍ الْقُرْمُطِيِّ إِلَى نُوَاحِي تَوَّجَ فِي مَرَاكِبَ، وَخَرَجُوا مِنْهَا إِلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ، فَلَمَّا بَعُدُوا عَنِ الْمَرَاكِبِ، أَرْسَلَ الْوَالِي فِي الْبِلَادِ إِلَى الْمَرَاكِبِ وَأَحْرَقَهَا، وَجَمَعَ النَّاسَ وَحَارَبَ الْقَرَامِطَةَ، فَقَتَلَ بَعْضًا، وَأَسَرَ بَعْضًا فِيهِمُ ابْنُ الْغَمْرِ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ دُعَاتِهِمْ، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى بَغْدَاذَ (أَيَّامَ الْقَاهِرِ) ، فَدَخَلُوهَا مَشْهُورِينَ، وَسُجِنُوا، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي خَلْعِ الْقَاهِرِ.
وَفِيهَا قَتَلَ الْقَاهِرُ بِاللَّهِ إِسْحَاقَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ النُّوبَخْتِيَّ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ بِاسْتِخْلَافِهِ، فَكَانَ كَالْبَاحِثِ عَنْ حَتْفِهِ بِظِلْفِهِ، وَقَتَلَ أَيْضًا أَبَا السَّرَايَا بْنَ حَمْدَانَ، وَهُوَ أَصْغَرُ وَلَدِ أَبِيهِ، وَسَبَبُ قَتْلِهِمَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مُغَنِّيَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الْخِلَافَةَ، فَزَادَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِمَا، فَحَقَدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، فَلَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُمَا اسْتَدْعَاهُمَا لِلْمُنَادَمَةِ، فَتَزَيَّنَا وَتَطَيَّبَا، وَحَضَرَا عِنْدَهُ، فَأَمَرَ بِإِلْقَائِهِمَا إِلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ وَهُوَ حَاضِرٌ، فَتَضَرَّعَا وَبَكَيَا، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِمَا وَأَلْقَاهُمَا فِيهَا وَطَمَّهَا عَلَيْهِمَا.
وَفِيهَا أَحْضَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مِقْسَمٍ بِبَغْدَاذَ فِي دَارِ سَلَامَةَ الْحَاجِبِ، وَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ قَدِ ابْتَدَعَ قِرَاءَةً لَمْ تُعْرَفْ، وَأَحْضَرَ ابْنَ مُجَاهِدٍ وَالْقُضَاةَ وَالْقُرَّاءَ وَنَاظَرُوهُ، فَاعْتَرَفَ بِالْخَطَأِ وَتَابَ مِنْهُ، وَأُحْرِقَتْ كُتُبُهُ.