مَنْ كَسَاهَا، وَجَعَلَ لَهَا بَابًا وَمِفْتَاحًا، وَخَرَجَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْيَمَنِ، فَدَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ فَأَبَوْا عَلَيْهِ حَتَّى حَاكَمُوهُ إِلَى النَّارِ، وَكَانَتْ لَهُمْ نَارٌ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَزْعُمُونَ تَأْكُلُ الظَّالِمَ وَلَا تَضُرُّ الْمَظْلُومَ. فَقَالَ لِقَوْمِهِ: أَنْصَفْتُمْ. فَخَرَجَ قَوْمُهُ بِأَوْثَانِهِمْ وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا حَتَّى قَعَدُوا عِنْدَ مَخْرَجِ النَّارِ، فَخَرَجَتِ النَّارُ فَغَشِيَتْهُمْ وَأَكَلَتِ الْأَوْثَانَ وَمَا قَرَّبُوا مَعَهَا وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ مِنْ رِجَالِ حِمْيَرَ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ تَعْرَقُ جِبَاهُهُمَا لَمْ تَضُرَّهُمَا، فَأَصْفَقَتْ حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِ.
وَكَانَ قَدِمَ عَلَى تُبَّعٍ قَبْلَ ذَلِكَ شَافِعُ بْنُ كُلَيْبٍ الصَّدَفِيُّ، وَكَانَ كَاهِنًا، فَقَالَ لَهُ تُبَّعٌ: هَلْ تَجِدُ لِقَوْمِي مُلْكًا يُوَازِي مُلْكِي؟ قَالَ: لَا إِلَّا لِمَلِكِ غَسَّانَ. قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مُلْكًا يَزِيدُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَجِدُهُ لِبَارٍّ مَبْرُورٍ، أُيِّدَ بِالْقُهُورِ، وَوُصِفَ بِالزَّبُورِ، وَفُضِّلَتْ أُمَّتُهُ فِي السُّفُورِ، يُفْرِجُ الظُّلَمَ بِالنُّورِ، أَحْمَدُ النَّبِيُّ، طُوبَى لِأُمَّتِهِ حِينَ يَجِيءُ، أَحَدُ بَنِي لُؤَيٍّ، ثُمَّ أَحِدُ بَنِي قُصَيٍّ! فَنَظَرَ تُبَعٌ فِي الزَّبُورِ فَإِذَا هُوَ يَجِدُ صِفَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَ تُبَّعٍ هَذَا، وَهُوَ تُبَّانُ أَسْعَدَ أَبُو كَرِبَ بْنُ مَلْكِيكَرِبَ، رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ اللَّخْمِيُّ، فَلَمَّا هَلَكَ رَبِيعَةُ رَجَعَ الْمُلْكُ بِالْيَمَنِ إِلَى حَسَّانَ بْنِ تُبَّانَ أَسْعَدَ.
فَلَمَّا مَلَكَ رَبِيعَةُ رَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا وَلَا سَاحِرًا وَلَا عَائِفًا إِلَّا أَحْضَرَهُ وَقَالَ لَهُمْ: رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي فَأَخْبِرُونِي بِتَأْوِيلِهَا. فَقَالُوا: اقْصُصْهَا عَلَيْنَا. فَقَالَ: إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنَّ إِلَى خَبَرِكُمْ بِتَأْوِيلِهَا، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ ذَلِكَ فَلْيَبْعَثْ إِلَى سَطِيحٍ وَشُقٍّ فَهُمَا يُخْبِرَانِكَ عَمَّا سَأَلْتَ. وَاسْمُ سَطِيحٍ رَبِيعُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الذِّئْبِيُّ نِسْبَةً إِلَى ذِئْبِ بْنِ عَدِيٍّ، وَشُقُّ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ أَنْمَارَ.