فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا، وَإِنَّمَا كَانَ مُحَدِّثًا، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْحَنَابِلَةِ، وَكَانُوا لَا يُحْصُونَ كَثْرَةً بِبَغْدَاذَ، فَشَغِبُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا مَا أَرَادُوا) :
حَسَدُوا الْفَتَى إِذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ ... فَالنَّاسُ أَعْدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ
كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا ... حَسَدًا وَبَغْيًا إِنَّهُ لِدَمِيمُ
وَقَدْ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي أَبِي جَعْفَرٍ يُعْلَمُ [مِنْهُ] مَحَلُّهُ فِي الْعِلْمِ، وَالثِّقَةِ، وَحُسْنِ الِاعْتِقَادِ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَنْ رَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْهُ، وَمَنْ رَوَى عَنِ الطَّبَرِيِّ، فَقَالَ: " وَكَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ يُحْكَمُ بِقَوْلِهِ، وَيُرْجَعُ إِلَى رَأْيِهِ لِمَعْرِفَتِهِ وَفَضْلِهِ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ مِنَ الْعُلُومِ مَا لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَكَانَ حَافِظًا لِكِتَابِ اللَّهِ، عَارِفًا بِالْقِرَاءَاتِ، بَصِيرًا بِالْمَعَانِي، فَقِيهًا فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ، عَالِمًا بِالسُّنَنِ وَطُرُقِهَا، صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا، نَاسِخِهَا وَمَنْسُوخِهَا، عَارِفًا بِأَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْأَحْكَامِ، وَمَسَائِلِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، خَبِيرًا بِأَيَّامِ النَّاسِ وَأَخْبَارِهِمْ، وَلَهُ الْكِتَابُ الْمَشْهُورُ فِي تَارِيخِ الْأُمَمِ وَالْمُلُوكِ، وَالْكِتَابُ الَّذِي فِي التَّفْسِيرِ لَمْ يُصَنَّفْ مِثْلُهُ، وَلَهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ، وَأَخْبَارٌ مِنْ أَقَاوِيلِ الْفُقَهَاءِ، وَتَفَرَّدَ بِمَسَائِلَ حُفِظَتْ عَنْهُ ".
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ: أَوَّلُ مَا سَأَلَنِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ لِي: كَتَبْتَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ؟ قُلْتُ: لَا! قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لَا يَظْهَرُ، وَكَانَتِ الْحَنَابِلَةُ تَمْنَعُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ.