يَطْلُبُونَهَا مِنْهُ، فَقَالَ: سَأَرَدُّهَا عَلَيْكُمْ بِبَغْدَاذَ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ بَغْدَاذَ، ثِقَةً بِكَثْرَةِ جَمْعِهِ وَقُوَّتِهِ، فَجَاءَتِ الْأَقْدَارُ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحِسَابِ.

ثُمَّ عَادَ إِلْيَاسُ فَخَرَجَ مَرَّةً ثَالِثَةً، وَأَعَانَهُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ أَبِي يُوسُفَ، صَاحِبُ الشَّاشِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ مُحَمَّدَ بْنَ أَلْيَسَعَ، فَحَارَبَهُمْ، فَانْهَزَمَ إِلْيَاسُ إِلَى كَاشْغَرَ وَأُسِرَ أَبُو الْفَضْلِ، وَحُمِلَ إِلَى بُخَارَى فَمَاتَ بِهَا.

وَأَمَّا إِلْيَاسُ فَصَاهَرَ دِهْقَانُ كَاشْغَرَ طُغَانْتِكِينَ، وَاسْتَقَرَّ بِهَا، ثُمَّ وَلِيَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ فَرْغَانَةَ، فَرَجَعَ إِلَيْهَا ابْنُ إِسْحَاقَ مُعَانِدًا، فَحَارَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ، فَهَزَمَهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَعَادَ إِلَى كَاشْغَرَ، فَكَاتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ، وَاسْتَمَالَهُ، وَلَطَفَ بِهِ، فَأَمِنَ إِلْيَاسُ إِلَيْهِ، وَحَضَرَ إِلَى بُخَارَى، فَأَكْرَمَهُ السَّعِيدُ، وَصَاهَرَهُ، وَأَقَامَ مَعَهُ.

ذِكْرُ وَفَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، صَاحِبُ التَّارِيخِ، بِبَغْدَاذَ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلًا بِدَارِهِ، لِأَنَّ الْعَامَّةَ اجْتَمَعَتْ، وَمَنَعَتْ مِنْ دَفْنِهِ نَهَارًا، وَادَّعَوْا عَلَيْهِ الرَّفْضَ، ثُمَّ ادَّعَوْا عَلَيْهِ الْإِلْحَادَ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ سُئِلَ هَؤُلَاءِ عَنْ مَعْنَى الرَّفْضِ وَالْإِلْحَادِ مَا عَرَفُوهُ، وَلَا فَهِمُوهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ مِسْكَوَيْهِ صَاحِبُ " تَجَارِبِ الْأُمَمِ "، وَحُوشِيَ ذَلِكَ الْإِمَامُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ تَعَصُّبِ الْعَامَّةِ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ تَعَصَّبُوا عَلَيْهِ، وَوَقَعُوا فِيهِ، فَتَبِعَهُمْ غَيْرُهُمْ، وَلِذَلِكَ سَبَبٌ، (وَهُوَ أَنَّ الطَّبَرِيَّ جَمَعَ كِتَابًا ذَكَرَ فِيهِ اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ، لَمْ يُصَنَّفْ مِثْلُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015