فَوَلَّى أَبُو الْعَبَّاسِ غُلَامَهُ بَدْرًا الشُّرْطَةَ، وَاسْتَخْلَفَ مُحَمَّدَ بْنَ غَانِمِ بْنِ الشَّاهْ عَلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ.
وَمَاتَ الْمُوَفَّقُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ بِالرُّصَافَةِ، وَجَلَسَ أَبُو الْعَبَّاسِ لِلتَّعْزِيَةِ.
وَكَانَ الْمُوَفَّقُ عَادِلًا، حَسَنَ السِّيرَةِ، يَجْلِسُ لِلْمَظَالِمِ، وَعِنْدَهُ الْقُضَاةُ، وَغَيْرُهُمْ، فَيَنْتَصِفُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَكَانَ عَالِمًا بِالْأَدَبِ، وَالنَّسَبِ، وَالْفِقْهِ، وَسِيَاسَةِ الْمُلْكِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ يَوْمًا: إِنَّ جَدِّي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ قَالَ: إِنَّ الذُّبَابَ لِيَقَعُ عَلَى جَلِيسِي فَيُؤْذِينِي ذَلِكَ، وَهَذَا نِهَايَةُ الْكَرَمِ، وَأَنَا وَاللَّهِ أَرَى جُلَسَائِي بِالْعَيْنِ الَّتِي أَرَى بِهَا إِخْوَانِي، وَاللَّهِ لَوْ تَهَيَّأَ لِي أَنْ أُغَيِّرَ أَسْمَاءَهُمْ لَنَقَلْتُهَا مِنَ الْجُلَسَاءِ إِلَى الْأَصْدِقَاءِ وَالْإِخْوَانِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ: دَعَا الْمُوَفَّقُ يَوْمًا جُلَسَاءَهُ، فَسَبَقْتُهُمْ وَحْدِي، فَلَمَّا رَآنِي وَحْدِي أَنْشَدَ يَقُولُ:
وَأَسْتَصْحِبُ الْأَصْحَابَ حَتَّى إِذَا دَنَوْا ... وَمَلُّوا مِنَ الْإِدْلَاجِ جِئْتُكُمُ وَحْدِي
فَدَعَوْتُ لَهُ، وَاسْتَحْسَنْتُ إِنْشَادَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَهُ مَحَاسِنُ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ ذِكْرِهَا.
ذِكْرُ الْبَيْعَةِ لِلْمُعْتَضِدِ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ
لَمَّا مَاتَ الْمُوَفَّقُ اجْتَمَعَ الْقُوَّادُ وَبَايَعُوا ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ بَعْدَ الْمُفَوِّضِ ابْنِ الْمُعْتَمِدِ، وَلُقِّبَ الْمُعْتَضِدَ بِاللَّهِ، وَخُطِبَ لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْمُفَوِّضِ، وَذَلِكَ لِسَبْعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ أَبِيهِ، وَتَوَلَّى مَا كَانَ أَبُوهُ يَتَوَلَّاهُ.
وَفِيهَا قَبَضَ الْمُعْتَمِدُ عَلَى أَبِي الصَّقْرِ وَأَصْحَابِهِ، وَانْتَهَبَ مَنَازِلَهُمْ، وَطَلَبَ بَنِي الْفُرَاتِ فَاخْتَفَوْا.
وَخَلَعَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ وَهْبٍ، وَوَلَّاهُ الْوِزَارَةَ.