أَلَّا يَدَعَ مُنْهَزِمًا يَدْخُلُهُ، وَنَشِبَتِ الْحَرْبُ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ، وَثَبَتَ أَسَدُ بْنُ دَاوُدَ حَتَّى قُتِلَ، وَكَانَ إِغْلَاقُ الْبَابِ عَلَى الْمُنْهَزِمِينَ أَشَدَّ مِنَ الْأَتْرَاكِ، فَأَخَذُوا مِنْهُمُ الْأَسْرَى، وَقَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وَحَمَلُوا الْأَسْرَى وَالرُّؤُوسَ إِلَى سَامَرَّا، فَلَمَّا قَارَبُوا مِنْهَا غَطَّوْا رُؤُوسَ الْأَسْرَى، فَلَمَّا رَآهُمْ أَهْلُ سَامَرَّا بَكَوْا وَضَجُّوا، وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، وَأَصْوَاتُ نِسَائِهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُعْتَزَّ فَكَرِهَ أَنْ تَغْلُظَ قُلُوبُ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ لِكُلِّ أَسِيرٍ بِدِينَارٍ، وَأَمَرَ بِالرُؤُوسِ فَدُفِنَتْ.
وَقَدِمَ أَبُو السَّاجِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ.
وَفِي سَلْخِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْأَتْرَاكِ إِلَى بَابِ الشَّمَّاسِيَّةِ، وَمَعَهُمْ كِتَابٌ مِنَ الْمُعْتَزِّ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَاسْتَأْذَنَهُ أَصْحَابُهُ فِي أَخْذِهِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَإِذَا فِيهِ (تَذْكِيرُ مُحَمَّدٍ بِمَا) يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ (وَأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ) أَوَّلَ مَنْ يَسْعَى فِي أَمْرِهِ وَيُؤَكِّدَ خِلَافَتَهُ. (فَمَا رَدَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ جَوَابَ الْكِتَابِ) ، وَكَانَتْ وَقْعَةٌ بَيْنَهُمْ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرَ، قُتِلَ مِنَ الْأَتْرَاكِ سَبْعُ مِائَةٍ وَمِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ثَلَاثُمِائَةٍ.
وَفِي مُنْتَصَفِ رَبِيعٍ الْآخِرِ أُمِرَ أَبُو السَّاجِ، وَعَلِيُّ بْنُ فَرَاشَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، بِالْمَسِيرِ إِلَى الْمَدَائِنِ، فَقَالَ أَبُو السَّاجِ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْجِدَّ مَعَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَلَا تُفَرِّقْ قُوَّادَكَ، وَاجْمَعْهُمْ، حَتَّى تَهْزِمَ هَذَا الْعَسْكَرَ الْمُقِيمَ بِإِزَائِكَ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْهُمْ فَمَا أَقْدَرَكَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ! فَقَالَ: إِنَّ لِي تَدْبِيرًا، وَيَكْفِي اللَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ أَبُو السَّاجِ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ! وَسَارَ إِلَى الْمَدَائِنِ وَحَفَرَ خَنْدَقَهَا، وَأَمَدَّهُ مُحَمَّدٌ بِثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ وَأَلْفَيْ رَاجِلٍ.