أَهْلُهُ وَمُسْتَوْجِبُهُ مِنْ مَحَامِدِهِ الْقَاضِيَةِ حَقَّهُ، الْبَالِغَةِ شُكْرَهُ، الْمَانِعَةِ غَيْرَهُ، الْمُوجِبَةِ مَزِيدَهُ، عَلَى مَا لَا يُحْصِيهِ تَعْدَادُنَا، وَلَا يُحِيطُ بِهِ ذِكْرُنَا مِنْ تَرَادُفِ مِنَّتِهِ، وَتَتَابُعِ فَضْلِهِ، وَدَوَامِ طَوْلِهِ، حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ: صَدَقْتَ، [هَذَا] هُوَ الْكَلَامُ بِعَيْنِهِ.
وَقَدِمَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ مِنْ مَكَّةَ فِي صَفَرَ، فَشَكَا مَا نَالَهُ مِنَ الْغَمِّ بِمَا وَقَعَ مِنِ الْخِلَافِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فَأَمَرَ الْمُتَوَكِّلُ بِإِنْفَاذِ خَرِيطَةٍ مِنَ الْبَابِ إِلَى أَهْلِ الْمَوْسِمِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَمَرَ أَنْ يُقَامَ عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَسَائِرِ الْمَشَاعِرِ، الشَّمْعُ مَكَانَ الزَّيْتِ وَالنِّفْطِ.
وَفِيهَا مَاتَتْ أُمُّ الْمُتَوَكِّلِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَصَلَّى عَلَيْهَا الْمُنْتَصِرُ، وَدُفِنَتْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَكَانَ مَوْتُهَا قَبْلَ الْمُتَوَكِّلِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.
ذِكْرُ بَيْعَةِ الْمُنْتَصِرِ
قَدْ ذَكَرْنَا قَتْلَ الْمُتَوَكِّلِ، وَمَنْ بَايَعَ الْمُنْتَصِرَ (أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلَ) تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ حَضَرَ النَّاسُ الْجَعْفَرِيَّةُ مِنَ الْقُوَّادِ، وَالْكُتَّابِ، وَالْوُجُوهِ، وَالشَّاكِرِيَّةِ، وَالْجُنْدِ، وَغَيْرِهِمْ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ أَحْمَدُ بْنُ الْخَصِيبِ كِتَابًا يُخْبِرُ فِيهِ عَنِ الْمُنْتَصِرِ أَنَّ الْفَتْحَ بْنَ خَاقَانَ قَتَلَ الْمُتَوَكِّلَ، فَقَتَلَهُ بِهِ، فَبَايَعَ النَّاسُ، وَحَضَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَاقَانَ، فَبَايَعَ وَانْصَرَفَ.
قِيلَ: وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيدٍ الصَّغِيرِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا الْمُتَوَكِّلُ، كُنَّا فِي الدَّارِ مَعَ الْمُنْتَصِرِ، فَكَانَ كُلَّمَا خَرَجَ الْفَتْحُ خَرَجَ مَعَهُ، وَإِذَا رَجَعَ قَامَ