وَسَلَبُوا وَأَحْرَقُوا وَقَتَّلُوا فِي أَهْلِهَا.
وَكَانَ الْأَمِيرُ عَلَى صِقِلِّيَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَغْلَبِ، فَتُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَكَانَ مُقِيمًا بِمَدِينَةِ بَلَرْمَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ يُخْرِجُ الْجُيُوشَ وَالسَّرَايَا فَتَفْتَحُ، فَتَغْنَمُ، فَكَانَتْ إِمَارَتُهُ عَلَيْهَا تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ مُوسَى بْنِ مُوسَى وَالْحَارِثِ بْنِ يَزِيغَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ حَرْبٌ بَيْنَ مُوسَى عَامِلِ تُطِيلَةَ وَبَيْنَ عَسْكَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمِيرِ الْأَنْدَلُسِ، وَالْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمُ الْحَارِثُ بْنُ يَزِيغَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى بْنَ مُوسَى كَانَ مِنْ أَعْيَانِ قُوَّادِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ الْعَامِلُ عَلَى مَدِينَةِ تُطِيلَةَ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُوَّادِ تَحَاسُدٌ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، فَعَصَى مُوسَى بْنُ مُوسَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ جَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمُ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيغَ وَالْقُوَّادَ، فَاقْتَتَلُوا عِنْدَ بَرْجَةَ، فَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى، وَقُتِلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، وَعَادَ الْحَارِثُ إِلَى سَرَقُسْطَةَ، فَسَيَّرَ مُوسَى ابْنَهُ أَلْبَ بْنَ مُوسَى إِلَى بَرْجَةَ، فَعَادَ الْحَارِثُ إِلَيْهَا، وَحَصَرَهَا، فَمَلَكَهَا، وَقَتَلَ ابْنَ مُوسَى، وَتَقَدَّمَ إِلَى أَبِيهِ، فَطَلَبَهُ، فَحَضَرَ، فَصَالَحَهُ مُوسَى عَلَى أَنْ يَخْرُجَ عَنْهَا، فَانْتَقَلَ مُوسَى إِلَى أَرْنِيطَ.
وَبَقِيَ الْحَارِثُ يَتَطَلَّبُهُ أَيَّامًا، ثُمَّ سَارَ إِلَى أَرْنِيطَ، فَحَصَرَ مُوسَى بِهَا، فَأَرْسَلَ مُوسَى إِلَى غرسية، وَهُوَ مِنْ مُلُوكِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ الْمُشْرِكِينَ، وَاتَّفَقَا عَلَى الْحَارِثِ، وَاجْتَمَعَا، وَجَعَلَا لَهُ كَمَايِنَ فِي طَرِيقِهِ، وَاتَّخَذَ لَهُ الْخَيْلَ وَالرِّجَالَ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: بِلَمْسَةُ عَلَى نَهْرٍ هُنَاكَ، فَلَمَّا جَاءَ الْحَارِثُ النَّهْرَ خَرَجَ الْكُمَنَاءُ عَلَيْهِ، وَأَحْدَقُوا بِهِ، وَجَرَى مَعَهُ قِتَالٌ شَدِيدٌ، وَكَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأَصَابَتْهُ ضَرْبَةٌ فِي وَجْهِهِ، فَلَقَتْ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ أُسِرَ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ.