ذِكْرُ بَعْضِ سِيرَتِهِ
ذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي دُؤَادَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمُعْتَصِمَ فَأَسْهَبَ فِي ذِكْرِهِ، وَأَكْثَرَ فِي وَصْفِهِ، وَذَكَرَ مِنْ طِيبِ أَعْرَاقِهِ، وَسِعَةِ أَخْلَاقِهِ، وَكَرِيمِ عِشْرَتِهِ، قَالَ: وَقَالَ يَوْمًا، وَنَحْنُ بِعَمُّورِيَّةَ: مَا تَقُولُ فِي الْبُسْرِ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نَحْنُ بِبِلَادِ الرُّومِ، وَالْبُسْرُ بِالْعِرَاقِ، فَقَالَ: قَدْ جَاؤُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ مِنْ بَغْدَادَ، وَعَلِمْتُ أَنَّكَ تَشْتَهِيهِ، ثُمَّ أَحْضَرَهُ، فَمَدَّ يَدَهُ، فَأَخَذَ الْعِذْقَ فَارِغًا، قَالَ: وَكُنْتُ أُزَامِلُهُ كَثِيرًا فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ.
ذِكْرُ بَاقِيَ الْخَبَرِ قَالَ: وَأَخَذْتُ لِأَهْلِ الشَّاشِ مِنْهُ أَلْفَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ; لِعَمَلِ نَهْرٍ كَانَ لَهُمُ انْدَفَنَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، فَأَضَرَّ بِهِمْ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ كَانَ لَا يُبَالِي إِذَا غَضِبَ مَنْ قَتَلَ، وَمَا فَعَلَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ لَذَّةٌ فِي تَزْيِينِ الْبِنَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالنَّفَقَةِ أَسْمَحَ مِنْهُ بِهَا فِي الْحَرْبِ.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْخٍ: قَدِمَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ الْعِرَاقَ هَارِبًا مِنَ الْعَلَوِيِّينَ، لِأَنَّهُ كَانَ يَنَالُ مِنْهُمْ، فَتَهَدَّدُوهُ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ، وَقَدِمَ عَلَى عَمِّهِ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَشَكَا إِلَيْهِ حَالَهُ، وَخَوَّفَهُ مِنَ الْعَلَوِيِّينَ، وَسَأَلَهُ إِنْهَاءَ حَالِهِ إِلَى الْمُعْتَصِمِ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ مَا أَرَادَ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ حَالَهُ وَلَامَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ: فَشَكَا ذَلِكَ إِلَيَّ وَسَأَلَنِي مُخَاطَبَةَ عَمِّهِ فِي أَمْرِهِ، فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِ إِعْرَاضَهُ عَنْهُ، فَقَالَ لِي: إِنَّ الزُّبَيْرَ فِيهِ جَهْلٌ وَتَسَرُّعٌ، فَأَشِرْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْطِفَ الْعَلَوِيِّينَ، وَيُزِيلَ مَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْهُ، أَمَا رَأَيْتَ الْمَأْمُونَ وَرِفْقَهُ بِهِمْ، وَعَفْوَهُ عَنْهُمْ، وَمَيْلَهُ إِلَيْهِمْ؟ قُلْتُ: بَلَى، فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ، عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، أَوْ فَوْقَهُ، وَلَا أَقْدِرُ أَذْكُرُهُمْ عِنْدَهُ بِقَبِيحٍ، فَقُلْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ عَنِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ مِنْ ذَمِّهِمْ.
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُصْعَبِيُّ: دَعَانِي الْمُعْتَصِمُ يَوْمًا، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَضْرِبَ مَعَكَ بِالصَّوَالِجَةِ، فَلَعِبْنَا بِهَا سَاعَةً، ثُمَّ نَزَلَ وَأَخَذَ بِيَدِي نَمْشِي إِلَى أَنْ صَارَ إِلَى حُجْرَةِ الْحَمَّامِ، فَقَالَ: خُذْ ثِيَابِي، فَأَخَذْتُهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بِنَزْعِ ثِيَابِي، فَفَعَلْتُ، وَدَخَلْتُ، وَلَيْسَ مَعَنَا غُلَامٌ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَخَدَمْتُهُ، وَدَلَّكْتُهُ، وَتَوَلَّى الْمُعْتَصِمُ مِنِّي ذَلِكَ، فَاسْتَعْفَيْتُهُ، فَأَبَى عَلَيَّ، ثُمَّ خَرَجْنَا، وَمَشَى وَأَنَا مَعَهُ، حَتَّى صَارَ إِلَى مَجْلِسِهِ، فَنَامَ،