قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَزْمُرُ لَهُ هَذَا الصَّوْتَ، وَأُكَرِّرُهُ، وَقَدْ تَنَاوَلَ مِنْدِيلًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يَبْكِي فِيهِ، وَيَنْتَحِبُ، حَتَّى رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ.
وَلَمَّا احْتَضَرَ الْمُعْتَصِمُ جَعَلَ يَقُولُ: ذَهَبَتِ الْحِيَلُ، لَيْسَتْ حِيلَةٌ، حَتَّى صَمَتَ، ثُمَّ مَاتَ وَدُفِنَ بِسَامَرَّا.
وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَيَوْمَيْنِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ.
وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، فِي الشَّهْرِ الثَّامِنِ، وَهُوَ مِنْ ثَامِنِ الْخُلَفَاءِ وَالثَّامِنِ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ، وَمَاتَ عَنْ ثَمَانِيَةِ بَنِينَ وَثَمَانِي بَنَاتٍ، وَمَلَكَ ثَمَانِي سِنِينَ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ عُمْرُهُ سَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَكُونُ عُمْرُهُ سَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَسَبْعَةَ أَشْهُرٍ.
وَكَانَ أَبْيَضَ، أَصْهَبَ اللِّحْيَةِ، طَوِيلَهَا، مَرْبُوعًا، مُشْرَبَ اللَّوْنِ حُمْرَةً، حَسَنَ الْعَيْنَيْنِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِالْخَلْدَقَارِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتُ يَرْثِيهِ:
قَدْ قُلْتُ إِذْ غَيَّبُوكَ وَاصْطَفَقَتْ ... عَلَيْكَ أَيْدٍ بِالتُّرْبِ وَالطِّينِ
اذْهَبْ فَنِعْمَ الْحَفِيظُ كُنْتَ عَلَى ... الدُّنْيَا وَنَعِمَ الْمُعِينُ لِلدِّينِ
لَا يَجْبُرُ اللَّهُ أُمَّةً فَقَدَتْ ... مِثْلَكَ إِلَّا بِمِثْلِ هَارُونِ
وَكَانَتْ أُمُّهُ مَارِدَةً مِنْ مُوَلَّدَاتِ الْكُوفَةِ، وَكَانَتْ أُمُّهَا صُغَدِيَّةَ، وَكَانَ أَبُوهَا نَشَأَ بِالْبَنَدَنَيجِينَ.