وَسَارَ هُوَ وَغِلْمَانُهُ، فَلَمَّا فَتَحَ الْخَزَائِنَ، وَأَخْرَجَ الْأَمْوَالَ وَعَبَّأَهَا لِيَحْمِلَهَا، وَثَبَ عَلَيْهِ مَمَالِيكُ الْمَرْزُبَانِ، وَكَانُوا دَيَالِمَةً، وَقَالُوا: غَدَرْتَ بِصَاحِبِنَا، وَأَسْلَمْتَهُ إِلَى الْعَرَبِ، وَجِئْتَ لِتَحْمِلَ أَمْوَالَهُ! وَكَانُوا أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ، فَأَخَذُوهُ، وَقَيَّدُوهُ، فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ قَتَلُوهُ، وَانْتَهَبُوا الْأَمْوَالَ وَالْبِغَالَ، فَانْتَهَى الْخَبَرُ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَوَجَّهَ جَيْشًا، وَوَجَّهَ قَارَنُ (جَيْشًا، فَأَخَذَ أَصْحَابُ قَارَنَ) مِنْهُمْ عِدَّةً مِنْهُمُ ابْنُ عَمِّ مَازِيَارَ يُقَالُ لَهُ: شَهْرَيَارُ بْنُ الْمَضْمَغَانِ، وَكَانَ هُوَ يُحَرِّضُهُمْ، فَوَجَّهَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فَمَاتَ بِقُومَسَ.
وَعَلِمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ خَبَرَهُمْ، فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِهِمْ، فَأُخِذُوا، وَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى مَدِينَةِ سَارِيَةَ.
وَقِيلَ: إِنَّ السَّبَبَ فِي أَخْذِ مَازِيَارَ كَانَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ اسْمُهُ قُوهِيَارُ كَانَ لَهُ جِبَالُ طَبَرِسْتَانَ (وَكَانَ لِمَازِيَارَ السَّهْلُ، وَجِبَالُ طَبَرِسْتَانَ) ثَلَاثَةُ أَجْبُلٍ: جَبَلُ وِنْدَادَهُرْمُزَ، (وَجَبَلُ أَخِيهِ) (وَنْدَاسَنْجَانَ) ، وَالثَّالِثُ جَبَلُ شُرْوِينَ بْنِ سُرْخَابَ، فَقَوِيَ مَازْيَارُ، وَبَعَثَ [إِلَى] ابْنِ عَمِّهِ قُوهِيَارَ، وَقِيلَ هُوَ أَخُوهُ، فَأَلْزَمَهُ بَابَهُ، وَوَلَّى الْجَبَلَ وَالِيًا مِنْ قِبَلِهِ يُقَالُ لَهُ دُرِّيُّ، فَلَمَّا خَالَفَ مَازْيَارُ وَاحْتَاجَ إِلَى الرِّجَالِ دَعَا قُوهِيَارَ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أَعْرَفُ بِجَبَلِكَ مِنْ غَيْرِكَ، وَأَظْهَرَهُ عَلَى أَمْرِ الْأَفْشِينِ، وَمُكَاتَبَتِهِ، وَأَمَرَهُ بِالْعَوْدِ إِلَى جَبَلِهِ، وَحِفْظِهِ، وَأَمَرَ الدُّرِّيِّ بِالْمَجيِيءِ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَضَمَّ إِلَيْهِ الْعَسَاكِرَ، وَوَجَّهَهُ إِلَى مُحَارَبَةِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ.
وَظَنَّ مَازْيَارُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَوْثَقَ مِنَ الْجَبَلِ بِقُوهِيَارَ، وَتَوَثَّقَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الْمُخَوِّفَةِ بِدُرِّيِّ وَعَسَاكِرِهِ، وَاجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ عَلَيْهِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَقَرُبَتْ مِنْهُ.
وَكَانَ مَازِيَارُ، فِي مَدِينَتِهِ، فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَدَعَا قُوهِيَارَ الْحِقْدُ الَّذِي فِي قَلْبِهِ عَلَى مَازِيَارَ وَمَا صَنَعَ بِهِ إِلَى أَنْ كَاتَبَ الْحَسَنَ بْنَ الْحُسَيْنِ، وَأَعْلَمَهُ جَمِيعَ مَا فِي عَسْكَرِهِ وَمُكَاتَبَةَ الْأَفْشِينِ، فَأَنْفَذَ الْحَسَنُ كِتَابَ قُوهِيَارَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، فَأَنْفَذَهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الْمُعْتَصِمِ، وَكَاتَبَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْحَسَنُ قُوهِيَارَ، وَضَمِنَا لَهُ جَمِيعَ مَا يُرِيدُ، وَأَنْ يُعِيدَ إِلَيْهِ جَبَلَهُ، وَمَا كَانَ بِيَدِهِ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ، فَرَضِيَ بِذَلِكَ، وَوَاعَدَهُمْ يَوْمًا يُسَلِّمُ فِيهِ الْجَبَلَ.
فَلَمَّا جَاءَ الْمِيعَادُ تَقَدَّمَ الْحَسَنُ فَحَارَبَ دُرِّيٌّ، وَأَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ جَيْشًا كَثِيفًا،